الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ }

وقوله تعالى: { وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـٰنِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ } بيان لعدم إثابة الإنسان بعمل غيره إثر بيان عدم مؤاخذته بذنب غيره { وَأَنْ } كأختها السابقة، و { مَا } مصدرية وجوز كونها موصولة أي ليس له إلا سعيه، أو إلا الذي سعى به وفعله، واستشكل بأنه وردت أخبار صحيحة بنفع الصدقة عن الميت، منها ما أخرجه مسلم والبخاري وأبو داود والنسائي عن عائشة " أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أمي افتلتت نفسها وأظنها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم " وكذا بنفع الحج. أخرج البخاري ومسلم والنسائي عن ابن عباس قال: " أتى رجل النبـي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أختي نذرت لأن تحج وإنها ماتت فقال النبـي عليه الصلاة والسلام: لو كان عليها دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم قال: فحق الله أحق بالقضاء " وأجيب بأن الغير لما نوى ذلك الفعل له صار بمنزلة الوكيل عنه القائم مقامه شرعاً فكأنه بسعيه، وهذا لا يتأتى إلا بطريق عموم المجاز، أو الجمع بين الحقيقة والمجاز عند من يجوزه، وأجيب أيضاً بأن سعي غيره لما لم ينفعه إلا مبنياً على سعي نفسه من الإيمان فكأنه سعيه، ودل على بنائه على ذلك ما أخرجه أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشاماً ابنه نحر حصته خمسين وأن عمراً سأل النبـي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: أما أبوك فلو كان أقرّ بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك " وأجيب بهذا عما قيل: إن تضعيف الثواب الوارد في الآيات ينافي أيضاً القصر على سعيه وحده، وأنت تعلم ما في الجواب من النظر.

وقال بعض أجلة المحققين: إنه ورد في الكتاب والسنة ما هو قطعي في حصول الانتفاع بعمل الغير وهو ينافي ظاهر الآية فتقيد بما لا يهبه العامل. وسأل والي خراسان عبدُ الله بن طاهر الحسينَ بن الفضل عن هذه الآية مع قوله تعالى:وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاء } [البقرة: 261] فقال: ليس له بالعدل إلا ما سعى وله بالفضل ما شاء الله تعالى فَقَبَّل عبد الله رأس الحسين. وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى عليهما السلام، وأما هذه الأمة فللإنسان منها سعي غيره يدل عليه حديث سعد بن عبادة " هل لأمي إذا تطوعت عنها؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم " وقال الربيع: الإنسان هنا الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره، وعن ابن عباس أن الآية منسوخة بقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3