الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }

قوله تعالى: { وَٱمْرَأَتُهُ } أم جميل. وقال ابن العربيّ: العوراء أم قبيح، وكانت عَوْراء. { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسُّدّيّ: كانت تمشي بالنميمة بين الناس تقول العرب: فلان يَحْطِب على فلان: إذا وَرَّشَ عليه. قال الشاعر:
إن بني الأَدْرَمِ حَمَّالو الحَطَبْ   هُمْ الوُشاةُ في الرِّضَا وفي الغَضَبْ
عَلـيـهِـمُ اللَّعـنَـةُ تَتْـرَى والْحَـرَب   
وقال آخر:
مِنَ البِيض لَمْ تُصْطَدْ عَلَى ظَهْرِ لأُمَةٍ   ولَم تَمْشِ بينَ الحيّ بالحَطَبِ الرطْبِ
يعني: لم تمش بالنمائم، وجعل الحطبَ رطْباً ليدل على التدخين، الذي هو زيادة في الشرّ. وقال أكثم بن صَيْفِيّ لبنيه: إياكُمْ والنَّميمة! فإنها نارٌ مُحْرِقَة، وإنّ النمَّام ليَعْمل في ساعة ما لا يَعْمَل الساحر في شهر. أخذه بعض الشعراء فقال:
إنَّ النميمةَ نارٌ وَيْك مُحْرِقَةٌ   فَفِرَّ عَنها وجانبْ مَنْ تَعاطَاهَا
ولذلك قيل: نار الحقد لا تخبو. وثَبَتَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا يَدْخُلُ الجنة نَمَّام " وقال: " ذُو الوَجْهَين لا يكون عند الله وجيهاً " وقال عليه الصلاة والسلام: " مِنْ شَرّ الناسِ ذُو الوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأَتِي هَؤُلاَءِ بوَجْهٍ، وهَأُلاَءِ بِوَجْهٍ " وقال كعب الأحبار: أصاب بني إسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يَسْتَسْقُون فلم يُسْقَوا. فقال موسى: «إلهي عبادُك» فأوحى الله إليه: «إني لا أستجيب لك ولا لمن معك، لأن فيهم رجلاً نماماً، قد أَصَرَّ على النميمة». فقال موسى: «يا رَبِّ مَنْ هُوَ حتّى نخرجه من بيننا»؟ فقال: «يا موسى، أنهاك عن النميمةِ وأكونَ نماماً» قال: فتابوا بأجمعهم، فسُقوا. والنميمة من الكبائر، لا خلاف في ذلك حتى قال الفُضَيل بن عِياض: ثلاث تهدّ العمل الصالح ويُفْطِرن الصائم، وينقُضْن الوضوء: الغِيبة، والنميمة، والكذب. وقال عطاء بن السائب: ذكرت للشعبيّ قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ سافكُ دمٍ، ولا مشاء بنميمة، ولا تاجر يُرْبِي " فقلت: يا أبا عمرو، قَرَن النمام بالقاتل وآكل الربا؟ فقال: وهل تسفك الدماء، وتنتهب الأموال، وتهيج الأمور العظام، إلا من أجل النميمة. وقال قتادة وغيره: كانت تُعَيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها لشدة بخلها، فعُيِّرَتْ بالبخل. وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العِضاه والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقاله ابن عباس. قال الربيع: فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يَطأُه كما يطأُ الحرير. وقال مُرَّة الهَمْدَانيّ: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحَسَك، فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حُزْمة أَعْيَتْ، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها المَلكَ من خلفها فأهكلها.

السابقالتالي
2