الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

قال ابن عباس والذين يؤمنون بما أنزل إليك، وما أنزل من قبلك، أي يصدّقون بما جئت به من الله، وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرّقون بينهم، ولا يجحدون ما جاؤوهم به من ربهم، وبالآخرة هم يوقنون، أي بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان. وإنما سميت الآخرة لأنها بعد الدنيا. وقد اختلفت المفسرون في الموصوفين هنا، هل هم الموصوفون بما تقدّم من قوله تعالىٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ } البقرة 3 ومن هم؟ على ثلاثة أقوال حكاها ابن جرير أحدها أن الموصوفين أولاً هم الموصوفون ثانياً، وهم كل مؤمن، مؤمنو العرب، ومؤمنو أهل الكتاب وغيرهم. قاله مجاهد وأبو العالية والربيع بن أنس وقتادة، والثاني هما واحد، وهم مؤمنو أهل الكتاب. وعلى هذين تكون الواو عاطفة صفات على صفات كما قال تعالىسَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } الأعلى 1 - 5 وكما قال الشاعر
إلى المَلِكِ القَرْمِ وابْنِ الهُمامِ ولَيْثِ الكَتِيْبَةِ في المُزْدَحَمْ   
فعطف الصفات بعضها على بعض، والموصوف واحد. والثالث أن الموصوفين أوّلاً مؤمنو العرب، والموصوفون ثانياً بقوله { وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } لمؤمني أهل الكتاب. نقله السدي في تفسيره عن ابن عباس، وابن مسعود، وأناس من الصحابة، واختاره ابن جرير رحمه الله، ويستشهد لما قال بقوله تعالىوَإِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَـٰشِعِينَ للَّهِ } آل عمران 199 الآية. وبقوله تعالىٱلَّذِينَ ءَاتَيْنَـٰهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } القصص 52 - 54 وبما ثبت في الصحيحين من حديث الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب، آمن بنبيه وآمن بي، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل أدب جاريته فأحسن تأديبها، ثم أعتقها وتزوجها " وأما ابن جرير فما استشهد على صحة ما قال إلا بمناسبة، وهي أن الله وصف في أول هذه السورة المؤمنين والكافرين، فكما أنه صنف الكافرين إلى صنفين كافر ومنافق، فكذلك المؤمنون صنفهم إلى صنفين عربي وكتابي قلت والظاهر قول مجاهد فيما رواه الثوري عن رجل عن مجاهد، ورواه غير واحد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال أربع آيات من أوّل سورة البقرة في نعت المؤمنين، وآيتان في نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.

السابقالتالي
2