الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِيۤ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } * { ٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } * { وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله { قَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ } قرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي بإدغام الدال في السين، وقرأ الباقون بالإظهار. قال الكسائي من بيَّن الدال عند السين، فلسانه أعجميّ وليس بعربيّ { قَوْلَ ٱلَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا } أي تراجعك الكلام في شأنه { وَتَشْتَكِى إِلَى ٱللَّهِ } معطوف على تجادلك. والمجادلة هذه الكائنة منها مع رسول الله أنه كان كلما قال لها " قد حرمت عليه " ، قالت والله ما ذكر طلاقاً، ثم تقول أشكو إلى الله فاقتي ووحدتي، وإن لي صبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول اللَّهم إني أشكو إليك، فهذا معنى قوله { وَتَشْتَكِى إِلَى ٱللَّهِ } قال الواحدي قال المفسرون نزلت هذه الآية في خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن الصامت، وكان به لمم، فاشتد به لممه ذات يوم، فظاهر منها، ثم ندم على ذلك، وكان الظهار طلاقاً في الجاهلية، وقيل هي خولة بنت حكيم، وقيل اسمها جميلة، والأوّل أصح، وقيل هي بنت خويلد، وقال الماوردي إنها نسبت تارة إلى أبيها، وتارة إلى جدّها، وأحدهما أبوها، والآخر جدّها، فهي خولة بنت ثعلبة بن خويلد، وجملة { وَٱللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما } في محل نصب على الحال، أو مستأنفة جارية مجرى التعليل لما قبلها أي والله يعلم تراجعكما في الكلام { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } يسمع كل مسموع، ويبصر كل مبصر، ومن جملة ذلك ما جادلتك به هذه المرأة. ثم بيّن سبحانه شأن الظهار في نفسه، وذكر حكمه، فقال { ٱلَّذِينَ يُظَـٰهِرُونَ مِنكُمْ مّن نّسَائِهِمْ } قرأ الجمهور { يظهرون } بالتشديد مع فتح حرف المضارعة. وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي يظاهرون بفتح الياء، وتشديد الظاء، وزيادة ألف، وقرأ أبو العالية، وعاصم، وزرّ بن حبيش يظاهرون بفك الإدغام، ومعنى الظهار أن يقول لامرأته أنت عليّ كظهر أمي، ولا خلاف في كون هذا ظهاراً. واختلفوا إذا قال أنت عليّ كظهر ابنتي، أو أختي، أو غير ذلك من ذوات المحارم، فذهب جماعة منهم أبو حنيفة ومالك إلى أنه ظهار، وبه قال الحسن، والنخعي، والزهري، والأوزاعي، والثوري. وقال جماعة منهم قتادة والشعبي إنه لا يكون ظهاراً بل يختصّ الظهار بالأمّ وحدها. واختلفت الرواية عن الشافعي، فروي عنه كالقول الأوّل، وروي عنه كالقول الثاني، وأصل الظهار مشتق من الظهر. واختلفوا إذا قال لامرأته أنت عليّ كرأس أمي، أو يدها، أو رجلها، أو نحو ذلك؟ هل يكون ظهاراً أم لا وهكذا إذا قال أنت عليّ كأمي ولم يذكر الظهر، والظاهر أنه إذا قصد بذلك الظهار كان ظهاراً. وروي عن أبي حنيفة أنه إذا شبهها بعضو من أمه يحلّ له النظر إليه لم يكن ظهاراً، وروي عن الشافعي أنه لا يكون الظهار إلاّ في الظهر وحده.

السابقالتالي
2 3 4 5 6