الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةُ وَٱلْبَغْضَآءُ أَبَداً حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }

اعلم أن الأسوة ما يؤتسى به مثل القدوة لما يقتدى به، يقال: هو أسوتك، أي أنت مثله وهو مثلك، وجمع الأسوة أسى، فالأسوة اسم لكل ما يقتدى به، قال المفسرون أخبر الله تعالى أن إبراهيم وأصحابه تبرءوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم: { إِنَاْ بُرآء مِنكُمْ } ، وأمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأنسوا بهم وبقوله، قال الفراء: يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم في التبرئة من أهله في قوله تعالى: { إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ } وقوله تعالى: { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وهو مشرك وقال مجاهد: نهوا أن يتأسوا باستغفار إبراهيم لأبيه فيستغفرون للمشركين، وقال مجاهد وقتادة: ائتسوا بأمر إبراهيم كله إلا في استغفاره لأبيه، وقيل: تبرءوا من كفار قومكم فإن لكم أسوة حسنة في إبراهيم ومن معه من المؤمنين في البراءة من قومهم، لا في الاستغفار لأبيه، وقال ابن قتيبة: يريد أن إبراهيم عاداهم وهجرهم في كل شيء إلا في قوله لأبيه: { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وقال ابن الأنباري: ليس الأمر على ما ذكره، بل المعنى قد كانت لكم أسوة في كل شيء فعله، إلا في قوله لأبيه: { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } وقوله تعالى: { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } هذا من قول إبراهيم لأبيه يقول له: ما أغنى عنك شيئاً، ولا أدفع عنك عذاب الله إن أشركت به، فوعده الاستغفار رجاء الإسلام، وقال ابن عباس: كان من دعاء إبراهيم وأصحابه: { رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا } الآية، أي في جميع أمورنا { وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا } رجعنا بالتوبة عن المعصية إليك إذ المصير ليس إلا إلى حضرتك، وفي الآية مباحث: الأول: لقائل أن يقول: { حَتَّىٰ تُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحْدَهُ } ما الفائدة في قوله: { وَحْدَهُ } والإيمان به وبغيره من اللوازم، كما قال تعالى:كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } [البقرة: 285] فنقول: الإيمان بالملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر، من لوازم الإيمان بالله وحده، إذ المراد من قوله: { وَحْدَهُ } هو وحده في الألوهية، ولا نشك في أن الإيمان بألوهية غيره، لا يكون إيماناً بالله، إذ هو الإشراك في الحقيقة، والمشرك لا يكون مؤمناً. الثاني: قوله تعالى: { إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ } استثناء من أي شيء هو، نقول: من قوله: { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } لما أنه أراد بالأسوة الحسنة قولهم الذي حق عليهم أن يأتسوا به، ويتخذوه سنة يستنون بها. الثالث: إن كان قوله: { لأسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } مستثنى من القول الذي سبق وهو: { أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } فما بال قوله: { وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَىْء } وهو غير حقيق بالاستثناء، ألا ترى إلى قوله تعالى:

السابقالتالي
2