الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً }

قوله: { فَأَثَرْنَ }: عَطَفَ الفعلَ على الاسمِ؛ لأنَّ الاسمَ في تأويل الفعلِ لوقوعِه صلةً لـ أل. قال الزمخشري: " معطوفٌ على الفعلِ الذي وُضِعَ اسمُ الفاعلِ موضعَه " يعني في الأصل، إذ الأصلُ: واللاتي عَدَوْنَ فأَوْرَيْنَ فأغَرْنَ فَأَثَرْنَ.

قوله: { بِهِ }: في الهاء أوجهٌ. أحدُهما: أنها ضميرُ الصُّبح، أي: فَأَثَرْنَ في وقتِ الصُّبح غُباراً. وهذا حَسَنٌّ؛ لأنه مذكورٌ بالصَّريح. الثاني: أنه عائدٌ على المكانِ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ؛ لأنَّ الإِثارةَ لا بُدَّ لها من مكان، فالسِّياقُ والفعلُ يَدُلاَّن عليه. وفي عبارةِ الزمخشريِّ: " وقيل: الضمير لمكان الغارة " هذا على تلك اللُّغَيَّةِ، وإلاَّ فالفصيحُ أَنْ يقولَ: الإِغارة الثالث: أنَّه ضميرُ العَدْوِ الذي دَلَّ عليه " والعادياتِ ".

وقرأ العامَّةُ بتخفيفِ الثاءِ، مِنْ أثار كذا: إذا نَشَره وفَرَّقه مع ارتفاعٍ. وقرأ أبو حَيْوَةَ وابن أبي عبلة بتشديدها، وخَرَّجه الزمخشريُّ على وجهَيْن: الأولُ بمعنى فأَظْهَرْنَ به غباراً؛ لأنَّ التأثيرَ فيه معنى الإِظهارِ. والثاني: أنه قَلَبَ " ثَوَّرْنَ " إلى " وَثَّرْنَ " وقَلَبَ الواوَ همزةً. انتهى. قلت: يعني أنَّ الأصلَ: ثَوَّرْنَ، مِنْ ثَوَّر يُثَوِّرُ بالتشديد عَدَّاه بالتضعيف كما يُعَدَّى بالهمزة في قولِك: أثاره، ثم قَلَبَ الكلمةَ: بأنْ جَعَلَ العينَ وهي الواوُ موضعَ الفاء، وهي الثاءُ، فصارت وَثَّرْنَ، ووزنُها حينئذٍ عَفَّلْنَ، ثم قَلَبَ الواوَ همزةً، فصار " أَثَرْنَ " وهذا بعيدٌ جداً. وعلى تقديرِ التسليمِ فَقَلْبُ الواوِ المفتوحةِ همزةً لا يَنْقاس إنما جاءت منه أُلَيْفاظٌ كأَحَدٍ وأَناةٍ. والنَّقْعُ: الغبار وأُنْشِد:
4623ـ يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتطارِ النَّقْعِ داميةً   كأنَّ آذانَها أطرافُ أَقْلامِ
وقال ابن رَواحة:
4624ـ عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَرَوْها   تُثير النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَداءِ
وقال أبو عبيد: " النَّقْعُ رَفْعُ الصوتِ " وأَنْشَد:
4625ـ فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ   يُحْلِبُوْها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ
قال الزمخشري: " ويجوزُ أَنْ يُرادَ بالنَّقْع الصياحُ، من قولِه عليه السلام: " ما لم يكن نَقْعٌ ولا لَقْلَقَةٌ " وقولُ لبيد:
فمتىٰ يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ   ......................
أي: هَيَّجْنَ في المَغارِ عليهم صَباحاً " انتهى. فعلى هذا تكون الباءُ بمعنى " في " ويعودُ الضمير على المكانِ الذي فيه الإِغارةُ كما تقدَّمَ.