الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } * { أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ } * { وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ } * { تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ } * { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ }

{ أَلَمْ تَرَ } ألم تعلم يا محمد { كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [آية: 1] يعني أبرهة بن الأشرم اليمانى وأصحابه، وذلك أنه كان بعث أبا يكسوم بن أبرهة اليمانى الحبشى، وهو ابنه، في جيش كثيف إلى مكة، ومعهم الفيل ليخرب البيت الحرام،ويجعل الفيل مكان البيت بمكة، ليعظم ويعبد كتعظيم الكعبة، وأمره أن يقتل من حال بينه وبين ذلك، فسار أبو يكسوم بمن معه حتى نزل بالمعمس، وهو واد دون الحرم بشىء يسير، فلما أردوا أن يسوقوا الفيل إلى مكة لم يدخل الفيل الحرم، وبرك فأمر أبو يكسوم أن يسقوه الخمر، فسقوه الخمر ويردونه في سياقه، فلما أرادوا أن يسوقوه برك الثانية، ولم يقم، وكلما خلوا سبيله ولى راجعاً إلى الوجه الذى جاء منه يهرول، ففزعوا من ذلك وانصرفوا عامهم ذلك، فلما أن كان بعده بسنة أو بسنتين خرج قوم من قريش في تجارة إلى أرض النجاشي، حتى دنوا من ساحل البحر في سند حقف من أحقافها ببيعة النصارى، وتسميها قريش الهيكل، ويسميها النجاشي وأهله أرضة ما سر حسان، فنزل القوم في سندها، فجمعوا حطباً، وأوقدوا ناراً، وشووا لحماً.

فلما أرادوا أن يرتحلوا تركوا النار، كما هي في يوم عاصف، فعجت الريح واضطرم الهيكل ناراً، فانطلق الصريخ إلى النجاشي، وجاءه الخبر فأسف عند ذلك غضباً للبيعة، وسمعت بذلك ملوك العرب الذين هم بحضرته، فأتوا النجاشي منهم حجر بن شرحبيل، وأبو يكسوم الكنديان، وأبرهة بن الصباح الكندى، فقالوا: أيها الملك، لا تكاد ولا تغلب، نحن مؤازرون لك على كعبة قريش التي بمكة، فإنها فخرهم ومعتزهم على من بحضرتهم من العرب، فننسف بناءها، ونبيح دماءها، وننتهب أموالها، ونمتح حفائرها من شئت من سوامك، ونحن لك على ذلك مؤازرون، فاعزم إذا شئت أو أحببت أيها الملك، فأرسل الملك الأسود بن مقصود، فأمر عند ذلك بجنوده من مزارعي الأرض، فأخرج كتائبه جماهير معهم الفيل، واسمه محمود، فسار بهم وبمن معه من ملوك العرب تلقاء مكة في حجائل تضيق عليهم الطرق، فلما ساروا مروا بخيل لعبد المطلب، جد النبي صلى الله عليه وسلم، مسومة وإبل، فاستاقها.

فركب الراعي فرساً له أعوجياً كان يعده لعبد المطلب، فأمعن في السير حتى دخل مكة، فصعد إلى الصفا فرقى عليه، ثم نادى بصوت رفيع: يا صباحاه، يا صباحاه، أتتكم السودان معها فيلها، يريدون أن يهدموا كعبتكم، ويدعوا عزكم، ويبيحوا دماءكم، وينتهبوا أموالكم، ويستأصلوا بيضتكم، فالنجاء النجاء، ثم قصد إلى عبدالمطلب، فأخبره الأمر كله، فركب عبدالمطلب فرسه، ثم أمعن جاداً في السير حتى هجم على عسكر القوم، فاستفتح له أبرهة بن الصباح، وحجر بن شراحيل، وكانا خلين، فقالا: لعبد المطلب ارجع إلى قومك، فأخبرهم وأنذرهم أن هذا قد جاءكم حميماً آتياً، فقال عبدالمطلب: واللات والعزى، لا أرجع حتى أرجع معي بخيلي، ولقاحي، فلما عرفا أنه غير راجع ونازع عن قوله قصدا به إلى النجاشي، فقالا: كهيئة المستهزئين يستهزئان به: أيها الملك، أردد عليه أبله وخيله، فإنما هو وقومه لك بالغداة، فأمر بردها.

السابقالتالي
2 3