الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } * { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } * { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } * { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ }

{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } قال ابن هشام: إيلاف قريش إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم. وكانت لهم خرجتان: خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف. قال: أخبرني أبو زيد الأنصاري أن العرب تقول: ألفت الشيء إلفا، وآلفته إيلافا، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة:
من المُؤْلِفاتِ الرمْلَ إدماءُ حرةٌ   شُعاعُ الضُّحَى في لونها يَتَوَضَّحُ
والإيلاف أيضاً: أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك، ويقال آلف فلان إيلافا، قال الكميت بن زيد:
بِعَامٍ يقول له المُؤْلِفُو   ن هذا المُعِيمُ لنا المُرْجِلُ
والمعيم العام الذي قل فيه اللبن. والإيلاف أيضاً أن يصير القوم ألفا؛ يقال: آلف القوم إيلافا. قال الكميت:
وآل مُزَيْقيَاءِ غداةَ لاَقَوْا   بني سعد بن ضَبَّةَ مُؤْلِفِينَا
والإيلاف أيضاً أن يُؤُلفَ الشيء إلى الشيء، فيألفه ويلزمه. يقال: آلفته إياه إيلافا. والإيلاف أيضاً أن تصير ما دون الألف ألفا. يقال: آلفته إيلافا. انتهى. ولورود الإيلاف بهذه المعاني، ظهر سر إبداله بالمقيد منه بعد إطلاقه. مع ما في الإبهام، ثم التفسير من التفخيم والتقرير. روى ابن جرير عن عكرمة قال: كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن، يختلفون إلى هذه في الشتاء وإلى تلك في الصيف. وعن ابن زيد قال: كانت لهم رحلتان: الصيف إلى الشام والشتاء إلى اليمن في التجارة. إذا كان الشتاء امتنع الشام منهم لمكان البرد. وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن. وعن ابن عباس قال: كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف. والأكثرون على الأول. واللام في قوله (لإيلاف) متعلق بقوله تعالى: { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } أي: فليعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين. ودخلت الفاء، لما في الكلام من معنى الشرط. إذ المعنى، أن نعم الله تعالى عليهم غير محصورة. فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة. والبيت هو الكعبة المشرفة { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } أي: جوع شديد كانوا فيه قبل الرحلتين فـ { مِّنْ } تعليلية. أي: أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم أو بدلية { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } أي: مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض. قال ابن زيد: كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا. فأمنوا من ذلك لمكان الحرم وقرأ:أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [القصص: 57] ونظيره أيضاً قوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [العنكبوت: 67].

تنبيه

زعم بعض الناس أن اللام في { لإِيلاَفِ } متعلق بما قبله أي: فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش. قال الشهاب: وعلى هذا لا بد من تأويله. والمعنى: أهلكهم ولم يسلط على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه.

السابقالتالي
2