الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } أي: خسرت يداه، وخسر هو. واليدان كناية عن الذات والنفس، لما بينهما من اللزوم في الجملة، أو مجاز من باب إطلاق الجزء على الكل. وجملة { وَتَبَّ } مؤكدة لما قبلها، أو المراد بالأولى: خسرانه فيما كسبه وعمله بيديه، حيث لم يفده ولم ينفعه. وما بعده عبارة عن خسرانه في نفسه وذاته؛ لأن سعي المرء لإصلاح نفسه وعمله. فأخبر بأن محروم منهما، كما تشير له الآيتان بعد: أعني: هلاك عمله وهلاك نفسه. وقال ابن جرير: كان بعض أهل العربية يقول قوله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } دعاء عليه من الله. وأما قوله: { وَتَبَّ } فإنه خبر. أي: عما سيحقق له في الدنيا والآخرة. وعبر عنه بالماضي لتحققه.

وأبو لهب: أحد عمومة النبيّ صلى الله عليه وسلم، واسمه عبد العزّى، وقد اشتهر بكنيته وعرف بها لولدٍ له يقال له: لهب. أو لتلهب وجنتيه وإشراقهما. مع الإشارة إلى أنه من أهل النار، وأن مآله إلى نار ذات لهب. فوافقت حاله كنيته، فحسن ذكره بها.

قال الرواة: كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبيّ صلى الله عليه وسلم. وأذية له وبغضة له وازدراء به وتنقصا له ولدعوته. ومات على كفره بعد وقعة بدر ولم يحضرها. بل أرسل عنه بديلا. فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما - وقد روى الشيخان عن ابن عباس قال: " لما نزلت { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صعد النبيّ صلى الله عليه وسلم على الصفا ونادى: " يا بني فهر! يا بني عديّ! " (لبطون من قريش) حتى اجتمعوا. فجعل الرجل إذا لم يستطع أرسل رسولا، لينظر ما هو. فجاء أبو لهب وقريش فقال: " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيّ "؟ قالوا: نعم. ما جربنا عليك إلا صدقا. قال: " فإني لكم نذير بين يديّ عذاب شديد ". فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنزلت السورة ".

وروى الإمام أحمد عن ربيعة بن عباد الديليّ قال: " رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: " يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا ". والناس مجتمعون عليه. ووراءه رجل وضيء الوجه أحول، ذو غديرتين، يقول: إنه صابئ كاذب. يتبعه حيث ذهب، فسألت عنه فقالوا: هذا عمه أبو لهب " وفي رواية له: " يتبعه من خلفه يقول: يا بني فلان! هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة. فلا تسمعوا له ولا تتبعوه "

السابقالتالي
2