الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }

قوله: { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ }: قراءةُ العامَّةِ بالرفع على أنهما جملةٌ مِنْ مبتدأ وخبرٍ سِيْقَتْ للإِخبار بذلك. وقيل: " وامرأتُه " عطفٌ على الضميرِ في " سَيَصْلى " ، سَوَّغَه الفصلُ بالمفعولِ. و " حَمَّالةُ الحطبِ " على هذا فيه أوجهٌ: كونُها نعتاً لـ " امرأتهُ ". وجاز ذلك لأن الإِضافةَ حقيقيةٌ؛ إذا المرادُ المضيُّ، أو كونُها بياناً أو كونُها بدلاً لأنها قريبٌ مِنْ الجوامدِ لِتَمَحُّضِ إضافتِها، أو كونُها خبراً لمبتدأ مضمرٍ، أي: هي حَمَّالةُ. وقرأ ابنُ عباس " ومُرَيَّتُهُ " و " مْرَيْئَتُهُ " على التصغير، إلاَّ أنَّه أقَرَّ الهمزةَ تارةً وأبدلَها ياءً، وأدغم فيها أخرى.

وقرأ العامةُ { حَمَّالَةُ } بالرفع. وعاصمٌ بالنصبِ فقيل: على الشَّتْم، وقد أتى بجميلٍ مَنْ سَبَّ أمَّ جميل. قاله الزمخشري، وكانت تُكْنَى بأمِّ جميل. وقيل: نصبٌ على الحالِ مِنْ " أمرأتُه " إذا جَعَلْناها مرفوعةً بالعطفِ على الضَّميرِ. ويَضْعُفُ جَعْلُها حالاً عند الجمهور من الضميرِ في الجارِّ بعدها إذا جَعَلْناه خبراً لـ " امرأتُه " لتقدُّمها على العاملِ المعنويِّ. واستشكل بعضُهم الحاليةَ لِما تقدَّم من أنَّ المرادَ به المُضِيُّ، فيتعرَّفُ بالإِضافةِ، فكيف يكونُ حالاً عند الجمهور؟ ثم أجابَ بأنَّ المرادَ الاستقبالُ لأنَّه وَرَدَ في التفسير: أنها تحملُ يومَ القيامةِ حُزْمَةً مِنْ حَطَبِ النار، كما كانت تحملُ الحطبَ في الدنيا.

وفي قوله: { حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } قولان. أحدُهما: هو حقيقةُ. والثاني: أنه مجازٌ عن المَشْيِِ بالنميمةِ ورَمْيِ الفِتَنِ بين الناس. قال الشاعر:
4670ـ إنَّ بني الأَدْرَمِ حَمَّالو الحَطَبْ   هُمُ الوشاةُ في الرِّضا وفي الغضبْ
وقال آخر:
4671ـ مِنْ البِيْضِ لم تُصْطَدْ على ظَهْرِ لأْمَةٍ   ولم تَمْشِ بين الحَيِِّ بالحطبِ الرَّطْبِ
جَعَلَه رَطْباً تنبيهاً على تَدْخينه، وهو قريبٌ مِنْ ترشيحِ المجازِ. وقرأ أبو قلابة { حاملةَ الحطبِ } على وزن فاعِلَة. وهي محتملةُ لقراةِ العامَّةِ. وعباس " حَمَّالة للحطَبِ " بالتنوين وجَرِّ المفعولِ بلامٍ زائدةٍ تقويةً للعاملِ، كقولِه تعالىٰ:فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] وأبو عمروٍ في روايةٍ " وامرأتُه " باختلاسِ الهاءِ دونَ إشباعٍ.