الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ } * { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ }

قوله تعالى: { وَإِذْ أَسَرَّ ٱلنَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً } يعني: حفصة، والذي أسرّه إليها: تحريم مارية، في قول عطاء والشعبي والضحاك وقتادة.

وقيل: الذي أسرّه إليها: أنه قال لها: أبوك وأبو عائشة واليا الناس من بعدي. والقولان عن ابن عباس.

قال ميمون بن مهران: قال لها: أبو بكر خليفةٌ من بعدي.

قال جماعة من المفسرين: قال لها لما رأى عندها من الغيرة والكراهية: إني مُسِرٌّ إليكِ شيئين: إني قد حرّمت مارية على نفسي، وإن الخلافة من بعدي في أبي بكر وعمر.

{ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ } أخبرت حفصة عائشة بالحديث، { وَأَظْهَرَهُ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } أطلع الله نبيه على قول حفصة لعائشة، { عَرَّفَ بَعْضَهُ } أعلم حفصة ببعض ما أفْشَتْ عليه من السِّرّ { وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ } تكرماً.

قال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام.

وقرأ الكسائي: " عَرَفَ " بتخفيف الراء، أي: جازى عليه. [تقول]: أنا أعرف لأهل الإحسان، وأعرف لأهل الإساءة، أي: لا أقصّر في [مجازاتهم]. وعليه حملوا قوله تعالى:وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [البقرة: 197] أي: يجازيكم به الله.

ولا يجوز أن تُحمل هذه القراءة على العلم؛ لأن الله قد أعلمه بالحديث كله، وأحاط النبي صلى الله عليه وسلم به علماً.

قال المفسرون: جازاها عليه بطلاقها.

فإن قيل: ما معنى مجازاتها على بعض إفشائها السر؟

قلتُ: تخفيف ما جازاها به بالنسبة إلى ما كانت تستحقه في مقابلة إظهار سره، ومخالفة أمره.

فإن قيل: ما البعض الذي عرّفها به، على قراءة الجمهور؟

قلتُ: عرّفها أنها أفشت عليه تحريمه مارية، وتغافل عن الباقي.

وقال ابن عباس بالعكس من ذلك.

فإن قيل: ما الحكمة في الإعراض عن السر الآخر، وهو إمامة الشيخين عليهما السلام؟

قلتُ: لم يكن [مأذوناً] له في إشاعته وإذاعته، فأعرض عنه قَطْعاً لِقَالَة الناس، وحسماً لمادّة انتشاره.

فإن قيل: فلم كره صلى الله عليه وسلم إظهار حفصة تحريمه مارية؟

قلتُ: إجلالاً لمنصب النبوة عن إظهار ما الأحسن والأجمل كتمانه.

{ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ } أي: بذلك البعض الذي عرّفها إياه { قَالَتْ } مُستفهمة له: { مَنْ أَنبَأَكَ هَـٰذَا } كأنها خافت أن تكون عائشة أشاعت سرّها إليه { قَالَ نَبَّأَنِيَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْخَبِيرُ }.

ثم خاطب عائشة وحفصة فقال: { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } مَالَتْ عما يجب عليكما من مناصحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع مرضاته.

وقال ابن عباس: زاغت وأثمت.

قال مجاهد: كنا نحسب " صَغَتْ " شيئاً هيناً، حتى وجدنا في قراءة ابن مسعود: " فقد زاغت قلوبكما ".

وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال: " لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله: { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عَدَلَ عمر وعدلْتُ معه بالإدَاوَة فتبرّز، ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل: { إِن تَتُوبَآ إِلَى ٱللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا }؟ فقال عمر: وا عجباً لك يا ابن العباس!!. -قال الزهري: كَرِهَ والله ما سأله عنه ولم يكتمه-. قال: هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث... "

السابقالتالي
2