الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ ٱلأُولَىٰ }

قوله: { وَلَلآخِرَةُ }: الظاهرُ في هذه اللامِ أنَّها جوابُ القسم، وكذلك في " ولَسَوْفَ " أَقْسم تعالى على أربعةِ أشياءَ: اثنان منفيَّان وهما توديعُه وقِلاه، واثنان مُثْبَتان مؤكَّدان، وهما كونُ الآخرةِ خيراً له من الدنيا، وأنه سوف يُعْطيه ما يُرضيه. وقال الزمخشري: " فإنْ قلتَ: ما هذه اللامُ الداخلةُ على " سَوْف "؟ قلت: هي لامُ الابتداءِ المؤكِّدةُ لمضمون الجملة، والمبتدأُ محذوفٌ تقديرُه: ولأنت سَوْفَ يُعْطيك، كما ذَكَرْنا فيلاَ أُقْسِمُ } [القيامة: 1] أن المعنى: لأَنا أُقْسِمُ. وذلك أنها لا تَخْلو: مِنْ أَنْ تكونَ لامَ قسمٍ أو ابتداء. فلامُ القسم لا تدخلُ على المضارع إلاَّ مع نونِ التوكيد، فبقي أن تكونَ لامَ ابتداءِ، ولامُ الابتداء لا تدخل إلاَّ على الجملة من المبتدأ والخبرِ فلا بُدَّ من تقدير [مبتدأ] وخبره، وأصله: ولأنت سوف يعطيك " ونقل الشيخ عنه أنه قال: " وخُلِع من اللامِ دلالتُها على الحال " انتهى. وهذا الذي رَدَّده الزمخشري يُختار منه أنها لامُ القسم.

قوله: " لا تَدْخُلُ على المضارع إلاَّ مع نونِ التوكيد " هذا استثنىٰ النحاة منه صورتَيْنِ، إحداهما: أَنْ لا يُفْصَلَ بينها وبين الفعل حرفُ تنفيسٍ كهذه الآيةِ، كقولِك: واللَّهِ لَسَأُعْطيك. والثانية: أن لا يُفْصَلَ بينهما بمعمولِ الفعل كقولِه تعالى:لإِلَى ٱللهِ تُحْشَرُونَ } [آل عمران: 158]. ويَدُلُّ لِما قُلْتُه ما قال الفارسيُّ: " ليسَتْ هذه اللامُ هي التي في قولك: " إنَّ زيداً لَقائمٌ، بل هي التي في قولِك: " لأَقومَنَّ " ونابَتْ " سوفَ " عن إحدى نونَيْ التوكيدِ، فكأنه قال: ولَيُعْطِيَنَّك.

وقوله: " خُلِع منها دلالتُها على الحال " يعني أنَّ لامَ الابتداءِ الداخلةَ على المضارع تُخَلِّصُه للحال، وهنا لا يُمْكِنُ ذلك لأجلِ حَرْفِ التنفيسِ، فلذلك خُلِعَتِ الحاليةُ منها.

وقال الشيخ: " واللامُ في " ولَلآخرةُ " لامُ ابتداء وَكَّدَتْ مضمونَ الجملةِ " ثم حكىٰ بعضَ ما ذكَرْتُه عن الزمخشري وأبي علي ثم قال: " ويجوز عندي أَنْ تكونَ اللامُ في " وللآخرةُ خيرٌ " وفي " ولَسَوْفَ يُعْطيك " اللامَ التي يُتَلَقَّى بها القسمُ، عَطَفَها على جوابِ القسم، وهو قولُه: { مَا وَدَّعَكَ } فيكون قد أقسم على هذه الثلاثة " انتهى. فظاهرُه أنَّ اللامَ في " ولَلآخرةُ " لامُ ابتداء غيرُ مُتَلَقَّى بها القسمُ، بدليلِ قولِه ثانياً: " ويجوز عندي " ولا يظهرُ انقطاعُ هذه الجملةِ عن جواب القسم البتةَ، وكذلك في { ولَسَوْفَ } وتقديرُ الزمخشري مبتدأً بعدها لا يُنافي كونَها جواباً للقسم، وإنما مَنَعَ أن تكونَ جواباً داخلةً على المضارع لفظاً وتقديراً.