الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير الهدايه إلى بلوغ النهايه/ مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

قوله تعالى: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخرها. أي: خسرت يدا أبي لهب، وقد خسر. فالأول [دعاء] والثاني [خبر]، كما تقول: [أهلكه] الله وقد هلك وفي قراءة عبد الله: " وقد تب " ووقع الإخبار والدعاء عن اليدين على طريق المجاز، والمراد صاحبهما، يدل على ذلك قوله: { وَتَبَّ } ولم يقل: وتبتا.

وقيل: هو حقيقة، وذلك أن أبا لهب أراد أن [يرمي] رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله من ذلك، ونزلت: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فالأولى على الحقيقة لليدين، والثانية لأبي لهب، لأنه إذا خسرت يداه فقد خسر هو.

(قال ابن زيد: التب: الخسران) قال ابن زيد: قال أبو لهب للنبي صلى الله عليه وسلم: وماذا أعطى - يا محمد - إن آمنت بربك؟ قال: كما يعطى المسلمون. قال [فمالي] عليكم فضل! قال: تبًّا وأي شيء [تبتغي]؟ قال: تبا لهذا من دين، (تباً) أن أكون أنا وهؤلاء سواءً، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } ، فعلى هذا يكون مجازا، والمراد به عين أبي لهب لاَ يَدَاهُ.

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خص عشيرته بالدعوة إذ نزل عليه:وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] فجمعهم ودعاهم وأنذرهم، فقال له أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا دعوتنا، فأنزل الله { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }.

قال ابن عباس: " صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم [الصفا]، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتكم إن (أخبرتكم) أن العدو [مصبحكم]) أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني؟ قالوا: بلى. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. قال [أبو] لهب: تباً لك: ألهذا دعوتنا؟ فأنزل الله: { تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } إلى آخر السورة ".

وكان اسم أبي لهب: عبد العزى، فذلك ذُكِرَ بكنيته في القرآن.

وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } إن جعلت ما أستفهاما كانت في موضع (نصب) بأغنى، وإن جعلتها نفيا كانت حرفا، وقدَّرْتَ مفعولاً محذوفاً، أي: ما أغنى عنه ماله شيئاً.

والمعنى: ما يغني عنه ماله في الآخرة وفي الدنيا إذا جاءه الموت.

وقوله: { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } ، يعني ما اقتنى من الموال والأغراض.

وقيل: { وَمَا كَسَبَ } عني به ولده، أي ما أغنى عنه ماله وما ولد. وروى أبو الطفيل أن أولاد أبي لهب جاؤوا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس يحجز بينهم (وقد كفّ بصرُهُ)، [فدفعه] بعضهم حتّى وَقَع عَلَى الفِرَاشِ فغَضِبَ وَقَالَ: أَخْرِجُوا عنّي الكَسْبَ الخَبِيثَ.

قال مجاهد: " وَمَا كسَبَ ولده ". وقيل: معناه: وما كسب من مال وجاه.

السابقالتالي
2 3