الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } * { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } * { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

{ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ } فانحسمت اطماعهم عن الوحدانية حين بان لهم انوار وحدته فسبحوا فى بحار ذاته وصفاته وطلبوا الخروج الى سواحل العرفان فناداهم اين انتم لو تسبحون ابدا فى بحر الذات وبحر الصفات لم ينهوا من بحر حقائق الالوهية فان بحر الذات والصفات واحد الكل فى حيز سرادق وحدانية الافعال غايبة فى الصفات والصفات فى الذات فمن عين الجمع هو هو ومن حيث الحقيقة هو الله ومن حيث الفردانية احيد وحيد لا غير اذ الغير يفنى فى بقائه ثم زاد فى تبوية فرادنيته بقوله الله الصمد ظاهر بنعوت الجلال والجمال والفردانية والوحدانية باطن بالهوية والصمد انقطع عن ادراك الخواطر والضمائر وغاب فى مهمه صفاته الاسرار والارواح وتاه فى تيه هويته القلوب والاشباح وهو تبتريه جلاله وصمديته حجبهم من نفسه ثم ابرز من نعت صمديته نور تنزيهه ونشقهم روائح قدسه وانسه وجعلهم مشتاقين الى لقائه عاشقين بجماله فيصمدون اليه بنعت الفناء والبقاء فلما علم عجزهم عن رؤية حقيقة هويته وصمديته ووحدانيته وفردانيته تجلى لهم بنعوت الجمال من لباس الافعال فهاموا بعشقه فى بيداء انوار جماله وجلاله وسكارى منبسطين وطابوا بكل مستحسن من عالم الافعال فلما سكنوا بالمستحسنات ورؤية الجمال فى الافعال أمالت ازمن قصودهم الى فضاء الوحدانية واعلمهم انه منزه عن مباشرة الحوادث بقوله { لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } اى لم يكن هو محل الحوادث ولم يكن الحوادث محله التجلى ظهور الصفات والالتباس ظهورها فى الافعال وهو منزه عن التمثال والجبال الا ترى كيف حقق التوحيد لمن شاهد مشاهدته فى اهله بقوله { وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ } غلط النصارى واليهود والكفرة والمجوس حين راوا من الاشخاص انوار الارواح ومن الارواح سنا روح فعله ثم نور صفته ووقعوا فى ظلمات الحلول حين لم يعرفوا أصل الأصل وحقيقة الحقيقة وعين العين وفردانية الذات والصفات عن مباشرة الامثال والتمثال سبحان المنزه بذاته عن رؤية كل رائي ومعرفة كل عارف وتوحيد كل موحد وعبادة كل عابد وجحود كل جاحد وجهل كل جاهل ووصف كل واصف كلهم فى نكرة النكرة معزولون من حقيقة المعرفة قال ابن عطا الهاء تنبيه عن معنى ثابت والواو اشارة الى ما لا يدرك حقائق نعوته وصفاته بالحواس والاحد المتفرد الذى لا نظير له والتوحيد هو الاقرار بالوحدانية والاحدية هو الانفراد وقال الواسطى هو حرف ليس باسم ولا وصف ولكنه كناية واشارة كناية عن الذات واشارة الى الذات علم الحق من يلحد فى الاسماء والصفات ويفرقون بين الصفة والموصوف فقال لا يكون فرقا بين هويته وهو ذاك لم يكن فرقا بين هويته ولم يكن فرقا بين اسمائه وصفاته قال ابن عطا هو الله احد هو المنفرد باتحاد المفقودات والمتوحد باظهار الخفيات وقال الحسين الاحد الكائن عنه كل منعوت واليه يصير كل مربوب فطمس من مساكنه ويطرح من نازله ان اشهدك اياه فانك وان غيبك عنه راعك قال بعضهم توحد ثم وجد لا سبيل الى ذلك الا ان يوجدك الحق له وقال جعفر الصمد الذى لم يعط لخلقه من معرفته الا الاسم والصفة وقال الواسطى امتنع الحق بصمديته عن وقوف العقول عليه واشارتها اليه ولا يعرف الا بالطاف اسدائها الى الجوارح وقال ابن عطا الصمد المتعال عن الكون والفساد وقال جعفر الصمد خمس حروف الالف دليل على احديته واللام دليل على الوهيته وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران فى الكتابة فدل ذلك على ان احديته والوهيته خفية لا يدرك بالحواس وانه لا يقال بالناس فخفاؤه فى اللفظ دليل على ان العقول لا تدركه ولا تحيط به علما واظهاره فى الكتابة دليل على انه يظهر على قلوب العارفين ويبدو لاعين المحبين فى دار السلام والصاد انه صادق فيما وعد فعله صدق وكلامه صدق ودعا عبادة الى الصدق والميم دليل على ملكه وهو الملك على الحقيقة والدال علامة دوامه فى ابديته وازليته وان كان الازل والابد لانهما الفاظ تجرى على العوارى فى عباده وقال ابن عطاء قل هو الله احد ظهر لك منه توحيد الله الصمد ظهر لك منه المعرفة لم يلد ظهر لك منه الايمان ولم يولد ظهر لك منه الاسلام ولم يكن له كفوا احد ظهر لك منه اليقين قال الاستاذ كاشف الوالهين بقوله هو وكاشف الموحدين بقوله الله وكاشف العارفين بقوله احد والعلماء بقوله الصمد والعقلاء بقوله لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد.