الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }

{ ٱللَّهُ } مبتدأ وخبره كلمة { ٱلَّذِي } مع صلتها، والجمل الواقع بينهما من باب حمل الحد على المحدود في القضية الطبيعية بالحمل الأولي الذاتي، لا مجرد الاتّصاف الاتّحادي المعتبر في الحمل المتعارف، فإنَّ كون الواجب لذاته مبدأ وخالقاً لشيء إنما يكون بنفس ذاته المقدسة، حتى أن مبدئيته وخالقيته بما هو حقيقته وذاته، لا كصانعية غيره من المبادي التي ليست مبدئيتها لشيء بما به ذاتها وحقيقتها، كالإنسان في كونه كاتباً، حيث لا يكفي في ذلك حقيقته التي هو بها هو، بل مفتقر معه إلى صنعة الكتابة وغيرها من الأسباب، كالآلة، والقابل، ورفع المانع، ووجود الداعي، كل ذلك خارج عن الإنسان بما هو انسان، وكذا الشمس في إضاءتها وجه الأرض تفتقر إلى وجود الأرض، ووجود المحاذاة بينها وبين الأرض، فليست هي بما هي شمس مضيئة لوجه الأرض، بخلاف الواجب القيّوم، فإنَّ قيّوميته وخالقيته للسموات والأرض وما بينهما بنفس ذاته الذي هو داع ومريد وقادر.

واعلم أنّا قد حققنا مفهوم هذه الكلمة الجلالية في تفسيرنا لآية الكرسي، وبيّنا هناك أنها بحسب المفهوم قابلة للشرح الحدّي، ويؤخذ في حده جميع الموجودات الصادرة عنه بنفس ذاته، بياناً مقنعاً من أراد أن يعلمه فليطلبه من هناك.

والمراد من " اليوم " ها هنا اليوم الربوبي الذي مقداره ألف سنة مما تعدون، ولما كان مدة تكوّن العالم من زمان آدم (عليه السلام) إلى زمان نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) ستة آلاف سنة - على ما هو المشهور -، فعبر عنها بستة أيام، مدة كل يوم منها ألف سنة، يسمى باسم من أسامي أيام الأسبوع قبل يوم الجمعة، منسوب إلى أحد الكواكب السبعة سوى عطارد، وفيها ميلاد واحد من الأنبياء العظام قبل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) من آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلوات الله عليهم أجمعين.

وهذا موافق لما قد اشتهر فيما بين الناس في جميع الأمصار، ان مدة الدنيا سبعة آلاف سنة على عدد الكواكب، فكل ألف سنة يوم من أيام الله، لقوله:وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [الحج:47] فالسنة منها هي التي خلق الله فيها السمٰوات والأرض، لأن الخلق حجاب الحق، فمعنى خلق اختفى بهما فأظهرهما وبطن، ويوم السابع هو يوم الجمع وزمان الاستواء على العرش والظهور بالأسماء، وهذا الظهور يبتدئ بالسابع من أول البعثة، ويزداد إلى تمام هذا اليوم، ويزول الخفاء بتمام الظهور لقيام الساعة، التي قد طلع فجرها ببعثة نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " " بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتَين " وجمع بين السبابة والوسطى ".


السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9