الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ }

أصل الخلق: التقدير. والاستواء: الاعتدال والاستقامة، ونقيضه: الاعوجاج. والعرش: السرير، ومنه:وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [النمل:23]. والعرش: الملك، يقال: ثُلّ عَرْشُه. والعرش: السقف، ومنه قوله تعالى:وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا } [البقرة:259].

والمعنى: إنه لما ذكر أن جميع الموجودات تمجّده وتسبّحه وتعظّمه - كل منها على قدر وعاء وجوده، وحوصلة إدراكه وشعوره - لعظمته ومجده وجماله وجلاله، وبيّن ذلك بأن له التصرف في الجميع بالمالكية والإفادة والإحياء والإماتة، وأنه أول كل شيء وآخره وظاهره وباطنه، والمملوك لا محالة يكون خاضعاً ساجداً لربه ومطيعاً لخالقه، فأراد أن يشعر بأن كونه بحيث يخضع ويسجد له الجميع، ليس أمراً جزافياً أو اتفاقياً، أو حكماً إجبارياً من غير استحقاق، بل هو أمر يليق بشأنه، واقع في مقابلة لطفه وإحسانه وكرمه وامتنانه، حيث نظّم أمور العالم على أبدع نظام، وأفاد وجود كليّات الجواهر وعظائم الأجرام على أشرف وضع ونظام.

إذ أنشأ أعيان السموات وأبدعها لا من شيء يقتضيه، ولا على مثال يحتذيه، ثم أمسكها بلا عماد، وأنشأ الأرض وأوجدها بلا اعتماد، في ستة أيام، ولم يخلقها في لحظة واحدة - وإن كان مقدوراً له تعالى - لأن خَلْقها في هذه المدة أصلح وأليق بحال الكائنات وأنسب بنظام المخلوقات.

ورتبها على أيام الأسبوع، فابتدأ بالأحد وختم بالجمعة، فاجتمع له الخلق يوم الجمعة، فلذلك تسمى جمعة - عن مجاهد -.

وقيل: إن إيجاد الحوادث على إنشاء شيء بعد شيء على التدريج والترتيب، أدلّ على كون فاعله عالماً مدبراً يصرّفه على اختياره كيف يشاء، حريّاً بأن يعبده ويسجد له ويطيع أمره جميع عباده ومن كان في ملكه وملكوته.

وقوله تعالى: { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } أي: استوى أمره إلى ملكه، لأن الأمور والتدابير تنزل منه.

وعن الحسن: يعني استقر ملكه واستقام بعد خلق السموات والأرض وظهر ذلك للملائكة.

وإنما أخرج هذا على المتعارف في كلام العرب كقولهم: " استوى الملك على عرشه " - إذا انتظمت أمور مملكته -، وإذا اختلّ أمر ملكه قالوا: " ثُلّ عرشه ". ولعل ذلك الملك لا يكون له سرير أصلاً، ولا يجلس على سريره أبداً، قال الشاعر:
إذا ما بنو مروان ثُلّت عروشهم   وأَوْدَتْ كما أودت إيادُ وحِمْيَرُ
وقيل: معناه: ثم قصد إلى خلق العرش، عن الفرّاء وجماعة، واختاره القاضي. ويلزم منه أن يكون خلق العرش بعد خلق السموات والأرض، وليس بذاك، مع بُعده عن اللفظ.

وروي عن مالك بن أنس أنه قال: الاستواء غير مجهول، وكيفيته غير معلومة، والسؤال عنه بِدعة.

وعن أبي حنيفة أنه قال: أقرؤه كما جاء.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10