الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ }

في معنى التذييل للجمل التي قبلها لأنها أعم من مضمونها لأن تلك الصفات المتقدمة صريحَها وكنايتها وضمنيَّها لا يشبهه فيها غيره، مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها مثل صفات الأفعال كما قال تعالىإن الذين تَدعُون من دون اللَّه لن يَخلُقوا ذُبَاباً ولو اجتمعوا له } الحج 73. والواو في قوله { ولم يكن له كفؤاً } اعتراضية، وهي واو الحال، كالواو في قوله تعالىوهل يُجازى إلا الكفور } سبأ 17 فإنها تذييل لجملةذلك جَزَيْنَاهم بما كفروا } سبأ 17، ويجوز كون الواو عاطفة إن جعلت الواو الأولى عاطفة فيكون المقصود من الجملة إثبات وصف مخالفته تعالى للحوادث وتكون استفادة معنى التذييل تبعاً للمعنى، والنكت لا تتزاحم. والكُفُؤ بضم الكاف وضم الفاء وهمزة في آخره. وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر، إلا أن الثلاثة الأولين حَققوا الهمزة وأبو جعفر سهَّلها ويقال «كُفْء» بضم الكاف وسكون الفاء وبالهمز، وبه قرأ حمزة ويعقوب، ويقال { كفواً } بالواو عوض الهمز، وبه قرأ حفص عن عاصم وهي لغات ثلاث فصيحة. ومعناه المساوي والمماثل في الصفات. و { أحد } هنا بمعنى إنسان أو موجود، وهو من الأسماء النكرات الملازمة للوقوع في حيّز النفي. وحصل بهذا جناس تام مع قوله { قل هو الله أحد }. وتقديم خبر كان على اسمها للرعاية على الفاصلة وللاهتمام بذكر الكُفؤ عقب الفعل المنفي ليكون أسبق إلى السمع. وتقديم المجرور بقوله { له } على متعلَّقه وهو { كفؤاً } للاهتمام باستحقاق الله نفي كفاءة أحد له، فكان هذا الاهتمام مرجحاً تقديم المجرور على متعلَّقه وإن كان الأصل تأخير المتعلَّق إذا كان ظرفاً لغواً. وتأخيره عند سيبويه أحسن ما لم يقتض التقديمَ مقتضٍ كما أشار إليه في «الكشاف». وقد وردت في فضل هذه السورة أخبار صحيحة وحسنة استوفاها المفسرون. وثبت في الحديث الصحيح في «الموطأ» و«الصحيحين» من طرق عدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " { قل هو اللَّه أحد } تعدل ثلث القرآن " واختلفت التأويلات التي تأول بها أصحاب معاني الآثار لهذا الحديث ويجمعها أربعة تأويلات الأول أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب القراءة، أي تعدل ثلث القرآن إذا قُرىء بدونها حتى لو كررها القارىء ثلاث مرات كان له ثواب من قرأ القرآن كله. الثاني أنها تعدل ثلث القرآن إذا قرأها من لا يحسن غيرها من سورة القرآن. الثالث أنها تعدل ثلث معاني القرآن باعتبار أجناس المعاني لأنّ معاني القرآن أحكام وأخبار وتوحيد، وقد انفردت هذه السورة بجمعها أصول العقيدة الإِسلامية ما لم يجمعه غيرها. وأقول إن ذلك كان قبل نزول آيات مثلها مثل آية الكرسي، أو لأنه لا توجد سورة واحدة جامعة لما في سورة الإخلاص.

السابقالتالي
2