الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَـٰمُهُمْ } لصباحتها وتناسب أعضائها { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } لفصاحتهم وذلاقة ألسنتهم وحلاوة كلامهم، وكان ابن أبـيّ جسيماً فصيحاً يحضر مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أمثاله كالجد بن قيس ومعتب بن قشير فكان عليه الصلاة والسلام ومن معه يعجبون من هياكلهم ويسمعون لكلامهم. والخطاب قيل: لكل من يصلح له وأيد بقراءة عكرمة وعطية العوفي ـ يسمع ـ بالياء / التحتية والبناء للمفعول، وقيل: لسيد المخاطبين عليه الصلاة والسلام، وهذا أبلغ على ما في «الكشف» لأن أجسامهم إذا أعجبته صلى الله عليه وسلم فأولى أن تعجب غيره؛ وكذا السماع لقولهم، وليوافق قوله تعالى:إِذَا جَاءكَ } [المنافقون: 1] والسماع مضمن معنى الإصغاء فليست اللام زائدة. وقوله تعالى: { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } كلام مستأنف لذمهم لا محل له من الإعراب؛ وجوز أن يكون في حيز الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم كأنهم الخ؛ والكلام مستأنف أيضاً، وأنت تعلم أن الكلام صالح للاستئناف من غير تقدير فلا حاجة إليه، وقيل: هو في حيز النصب على الحال من الضمير المجرور في { لِقَوْلِهِمْ } أي تسمع لما يقولون مشبهين بخشب مسندة كما في قوله:
فقلت: عسى أن تبصريني كأنما   بنى حوالي الأسود الحوادر
وتعقب بأن الحالية تفيد أن السماع لقولهم لأنهم كالخشب المسندة وليس كذلك. و { خُشُبٌ } جمع خشبة كثمرة وثمر. والمراد به ما هو المعروف شبهوا في جلوسهم مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندين فيها وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بخشب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونهم أشباحاً خالية عن الفائدة لأن الخشب تكون مسندة إذا لم تكن في بناء أو دعامة بشيء آخر، وجوز أن يراد بالخشب المسندة الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم، وفي مثلهم قال الشاعر:
لا يخدعنك اللحى ولا الصور   تسعة أعشار من ترى بقر
تراهم كالسحاب منتشراً   وليس فيها لطالب مطر
في شجر السرو منهم شبه   له رواء وماله ثمر
وقرأ البراء بن عازب والنحويان وابن كثير { خشْب } بإسكان الشين تخفيف خشب المضموم، ونظيره بدنة وبدن. وقيل: جمع خشباء كحمر وحمراء، وهي الخشبة التي نخر جوفها شبهوا بها في فساد بواطنهم لنفاقهم، وعن اليزيدي حمل قراءة الجمهور بالضم على ذلك، وتعقب بأن فعلاء لا يجمع على فعل بضمتين، ومنه يعلم ضعف القيل إذ الأصل توافق القراآت. وقرأ ابن عباس وابن المسيب وابن جبير { خَشَب } بفتحتين كمدرة ومدر وهو اسم جنس على ما في «البحر»، ووصفه بالمؤنث كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2