الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ }

{ بَلَىٰ } أي نجمعها بعد تفرقها ورجوعها رميماً ورفاتاً في بطون البحار وفسيحات القفار وحيثما كانت حال كوننا { قَـٰدِرِينَ } فقادرين حال من فاعل الفعل المقدر بعد { بَلَىٰ } وهو قول سيبويه، وقيل منصوب على أنه خبر كان أي بلى كنا قادرين في البدء أفلا نقدر في الإعادة وهو كما ترى. وقيل انتصب لأنه وقع في موضع نقدر إذ التقدير بلى نقدر فلما وضع موضع الفعل نصب، حكاه مكي وقال إنه بعيد من الصواب يلزم عليه نصب قائم في قولك مررت برجل قائم لأنه في موضع يقوم فتأمل.

وقرأ ابن أبـي عبلة وابن السميفع (قادرون) أي نحن قادرون.

{ عَلَىٰ أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ } هي اسم جنس جمعي واحده بنانة وفسرها الراغب بالأصابع ثم قال قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبين بها ما يريد أي يقيم غيره بما صغر من عظام الأطراف كاليدين والرجلين وفي «القاموس» البنان الأصابع أو أطرافها فالمعنى نجمع العظام قادرين على تأليف جمعها وإعادتها إلى التركيب الأول وإلى أن نسوي أصابعه التي هي أطرافه وآخر ما يتم به خلقه أو على أن نسوي ونضم سلامياته على صغرها ولطافتها بعضها إلى بعض كما كانت أولاً من غير نقصان ولا تفاوت فكيف بكبار العظام وما ليس في الأطراف منها؟ وفي الحال المذكورة أعني { قَـٰدِرِينَ عَلَىٰ } الخ بعد الدلالة على التقييد تأكيد لمعنى الفعل لأن الجمع من الأفعال التي لا بد فيها من القدرة فإذا قيد بالقدرة البالغة فقد أكد. والوجه الأول من المعنى يدل على تصوير الجمع وأنه لا تفاوت بين الإعادة والبدء في الاشتمال على جميع الأجزاء التي كان بها قوام البدن أو كماله، والثاني يدل على تحقيق الجمع التام فإنه إذا قدر على جمع الألطف الأبعد عادة عن الإعادة فعلى جمع / غيره أقدر ولعله الأوفق بالمقام ويعلم منهما نكتة تخصيص البنان بالذكر.

وقيل المعنى بلى نجمعها ونحن قادرون على أن نسوي أصابع يديه ورجليه أن نجعلها مستوية شيئاً واحداً كخف البعير وحافر الحمار ولا نفرق بينها فلا يمكنه أن يعمل بها شيئاً مما يعمل بأصابعه المفرقة ذات المفاصل والأنامل من فنون الأعمال والبسط والقبض والتأتي لما يريد من الحوائج، وروي هذا عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وعكرمة والضحاك. ولعل المراد نجمعها ونحن قادرون على التسوية وقت الجمع فالكلام يفيد المبالغة السابقة لكن من وجه آخر وهو أنه سبحانه إذا قدر على إعادته على وجه يتضمن تبديل بعض الأجزاء فعلى الاحتذاء بالمثال الأول في جميعه أقدر، وأبو حيان حكى هذا المعنى عن الجمهور لكن قيد التسوية فيه بكونها في الدنيا وقال إن في الكلام عليه توعداً ثم تعقب ذلك بأنه خلاف الظاهر المقصود من سوق الكلام، والأمر كما قال لو كان كما فعل فلا تغفل.

السابقالتالي
2