الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ }

{ قَالَ رَبِّ } أى يا رب. { أَنَّى يَكُونُ لِى غُلاَمٌ }؟ استفهام تعجب، أو استفهام استعظام أو استفهام استبعاد بحسب العادة، لأن ولادة الشيخ من الشيخة العاقرة خفى السبب مما يتعجب منه، ويستعظم ويستبعد عادة.والله عَلَى كُلّ شَىءٍ قَدير } ويجوز أن يكون استفهاماً حقيقيا، سأل الله أن يفهمه سبب الولادة و كيفيها، مع أنه وزوجته شيخان وهى عاقر ولا خبر للكون، أى كيف؟ أو من أين يحدث لى غلام؟ وإن جعلت لهُ خبراً فهو لى، ويتعلق { أنى } بيكون، وذكر وجه التعجب أو الاستعظام أو الاستبعاد أو حقيقة الاستفهام بقوله { وَقَدْ بَلَغَنِى الْكِبَرُ } أدركنى كبر السن وأثر فى، وكان عمره حينئذ تسعاً وتسعين سنة، وعمر زوجته ثمانية وتسعين. وقال الكلبى كان عمره اثنين وتسعين سنة، وقيل مائة وعشرين سنة. { وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ } لا تلد، وأصل عاقر فى هذا المعنى، وصف للنسب، أى ذات قطع، لأنها قطعت عن الولادة، وتغلبت عليه الاسمية، ويجوز أن يكون بمعنى مفعول، أى معقورة، أى مقطوعة عنها، ولا يشك زكريا فى وعد الله سبحانهُ وتعالى، ولكن أراد استعظام قدرة الله تعالى، وتردّ هل يكون الولد بأن يرده الله وزوجته شابين، أو يبقيهما شيخين، أو يرزقهُ الله الولد من غيرهما من النساء؟ قال الحسن أراد أن يعلم كيف يهب لهُ الولد وهو كبير وامرأتهُ عاقر كقول إبراهيمرب أرنى كيف تحيى الموتى } وجملة { وَامْرَأَتِى عَاقِرٌ } حال من ياء { بلغنى } ، وجملة { قَدْ بَلَغَنِى الْكِبَر } ، حال من ياء { لى }. ويجوز أن تكون جملة { قَدْ بَلَغَنِى الْكِبَر } وجملة { امْرَأَتِي عَاقِرٌ } حالين من باء { لى } ، والواو فيهما للحال، كذا أفهم كلام بعض، والذى عندى أن الحال الجملى لا يتعدد، ويغنى عن تعدّده إبقاء الواو على أصلها الذى هو العطف، فيحصل معنى تعدد الحال بالعطف، لأن المعطوف على الحال فى معنى الحال، والاسمية قد تعطف على الفعلية، ولا سيما أن الفعلية هنا مقرونة بـ { قد }. { قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } أى قال الله ومقتضى الظاهر، قلت كذلك أفعل ما أشاء، ولكن ذكر لفظ الجلالة الجامع لصفات الكمال، ومنها القدرة على توليد عاقر شيخة، من شيخ فان، وزعم بعضهم أن " رب " فى قوله { قال رب أنى يكون لى غلام } هو جبريل، وهو الذى بشره بالولد لجواز استعمال رب، لغير الله إذا أضيف، فيكون على هذا قوله { قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآء } على مقتضى الظاهر، أى قال جبريل { كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } وكأنه قال يا سيدى، أو يأمرنى بالوحى من الله أنى يكون لى غلام. وعن عكرمة والسدى لما سمع زكريا قول الملائكةإن الله يبشرك بيحيى } قال له الشيطان إن هذا الصوت من شيطان، ولو كان من الله لأوحاه إليك إيحاءً، كما يوحى إليك.

السابقالتالي
2