الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ }

قوله تعالى { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ }. اختلف في العامل الناصب للظرف الذي هو " إذْ " من قوله { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ } فقيل هو " أَلْقَيْتُ " أي ألقيت عليك محبة مني حين تمشي أختك. وقيل هو " تصنع " على عيني حين تمشي أختك. وقيل هو بدل من " إذ " في قولهإِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ } طه 38. قال الزمخشري فإن قلت كيف يصح البدل والوقتان مختلفان متباعدان؟ قلت كما يصح وإن اتسع الوقت وتباعد طرفاه أن يقول لك الرجل لقيت فلاناً سنة كذا. فتقول وأنا لقيتُه إذ ذاك. وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها. وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كون أخته مشت إليهم، وقالت لهم { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } ـ أوضحه جل وعلا في سورة " القصص " فبين أن أخته المذكورة مرسلة من قبل أمها لتتعرف خبره بعد ذهابه في البحر، وأنها أبصرته من بعد وهم لا يشعرون بذلك. وأن الله حرم عليه المراضع غير أمه تحريماً كونياً قدرياً. فقالت لهم أخته { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } أي على مرضع يقبل هو ثديها وتكفله لكم بنصح وأمانة ـ وذلك في قوله تعالىوَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } القصص 11-13 فقوله تعالى في آية " القصص " هذه { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ } أي قالت أم موسى لأخته وهي ابنتها { قُصِّيهِ } أي اتبعي أثره، وتطلبي خبره حتى تطَّلعي على حقيقة أمره. وقوله { فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ } أي رأته من بعيد كالمعرضة عنه، تنظر إليه وكأنها لا تريده { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } بأنها أخته جاءت لتعرف خبره فوجدته ممتنعاً من أن يقبل ثدي مرضعة، لأن الله يقول { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ } أي تحريماً كونياً قدرياً، أي منعناه منها ليتيسر بذلك رجوعه إلى أمه، لأنه لو قبل غيرها أعطوه لذلك الغير الذي قبله ليرضعه ويكفله فلم يرجع إلى أمه. وعن ابن عباس أنه لما قالت لهم { هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } أخذوها وشكّوا في أمرها وقالوا لها ما يدريك بنصحهم له وشفقتهم عليه؟! فقالت لهم نصحهم له، وشفقتهم عليه رغبة في سرور الملك، ورجاء منفعته، فأرسلوها. فلما قالت لهم ذلك وخلصت من أذاهم، ذهبوا معها إلى منزلهم فدخلوا به على أمه فأعطته ثديها فالتقمه ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وذهب البشير إلى امرأة الملك فاستدعت أم موسى، وأحسنَتْ إليها، فالتقمه ففرحوا بذلك فرحاً شديداً وذهب البشير إلى امرأة الملك فاستدعت أم موسى، وأحسنَتْ إليها، وأعطتها عطاء جزيلاً وهي لا تعرف أنها أمه في الحقيقة، ولكن لكونه قبل ثديها.

السابقالتالي
2 3 4