الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

الكلام هنا عن المكذِّبين والكافرين الذين سبق ذكرهم: قوم عاد، وثمود، ومدين، وقوم لوط، وقارون، وفرعون، وهامان، فكان من المناسب أنْ يذكر الحق سبحانه تعليقاً يشمل كُلَّ هؤلاء لأنهم طائفة واحدة. فقال: { فَكُلاًّ.. } [العنكبوت: 40] أي: كل مَنْ سبق ذكرهم من المكذِّبين فالتنوين في { فَكُلاًّ.. } [العنكبوت: 40] عوض عن كل من تقدَّم ذكرهم، كالتنوين في:وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } [الواقعة: 84] فهو عِوَض عن جملةفَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } [الواقعة: 83]. وقوله سبحانه: { أَخَذْنَا بِذَنبِهِ.. } [العنكبوت: 40] والأخذ يناسب قوة الأخذ وقدرته لذلك يقول سبحانه عن أخْذه للمكذِّبينأَخْذَ عِزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 42] فالعزيز: الذي يغلب ولا يُغلب، والمقتدر أي: القادر على الأَخْذ، بحيث لا يمتنع منه أحد فهو عزيز. والأخذ هنا بسبب الذنوب { بِذَنبِهِ.. } [العنكبوت: 40] ليس ظلماً ولا جبروتاً ولا جزافاً، إنما جزاءً بذنوبهم وعدلاً ولذلك يأتي في تذييل الآية: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [العنكبوت: 40]. ثم يُفصِّل الحق سبحانه وتعالى وسائل أَخْذه لهؤلاء المكذبين: { فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً.. } [العنكبوت: 40] الحاصب: هو الحصَى الصِّغار ترمي لا لتجرح، ولكن يُحْمي عليها لتكون وتلسع حين يرميهم بها الريح، ولم يقُلْ هنا: أرسلنا عليهم ناراً مثلاً لأن النار ربما إنْ أحرقته يموت وينقطع ألمه، لكن رَمْيهم بالحجارة المحمية تلسعهم وتُديم آلامهم، كما نسمعهم يقولون: سأحرقه لكن على نار باردة ذلك ليطيل أمد إيلامه. ثم يقول سبحانه: { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ.. } [العنكبوت: 40] وهو الصوت الشديد الذي تتزلزل منه الأرض، وهم ثمود { وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ.. } [العنكبوت: 40] أي: قارون { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا.. } [العنكبوت: 40] وهم قوم نوح، وفرعون. هذه وسائل أربعة لإهلاك المكذِّبين، النار في الحصباء، والهواء في الصيحة، والتراب في الخسف، ثم الماء في الإغراق، ورحم الله الفخر الرازي حين قال في هذه الآية أنها جمعت العناصر التي بها وجود الإنسان والعناصر الأساسية أربعة: الماء والنار والتراب والهواء. وكانوا يقولون عنها في الماضي العناصر الأربعة، لكن العلم فرَّق بعد ذلك بين العنصر والمادة. فالمادة تتحلَّل إلى عناصر، أمّا العنصر فلا يتحلل لأقل منه، فهو عبارة عن ذرات متكررة لا يأتي منها شيء آخر، فالهواء مادة يمكن أنْ نُحلِّله إلى أكسجين و... إلخ وكذلك الماء مادة تتكوَّن من عدة عناصر وذرات إلى أن جاء مندليف ووضع جدولاً للعناصر، وجعل لكل منها رقماً أسماها الأرقام الذرية، فهذا العنصر مثلاً رقم واحد يعني: يتكون من ذرة واحدة، وهذا رقم اثنين يعني يتكون من ذرتين.. إلخ إلى أنْ وصل إلى رقم 93، لكن وجد في وسط هذه الأرقام أرقاماً ناقصة اكتشفها العلماء فيما بعد.

السابقالتالي
2 3 4