الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } * { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ }

قوله تعالى: { وَفِي عَادٍ } أي وتركنا في عاد آية لمن تأمل. { إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } وهي التي لا تُلْقح سحاباً ولا شجراً، ولا رحمة فيها ولا بركة ولا منفعة ومنه ٱمرأة عقيم لا تحمل ولا تلد. ثم قيل: هي الجنوب. روى ٱبن أبي ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " الريح العقِيم الجَنُوب " وقال مقاتل: هي الدبور كما في الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: " نُصِرت بالصَّبَا وأهلِكت عاد بالدَّبُور " وقال ٱبن عباس: هي النكباء. وقال عُبيد بن عُمير: مسكنها الأرض الرابعة وما فتح على عاد منها إلا كقدر منخر الثور. وروى ٱبن أبي نجيح عن مجاهد أيضاً أنها الصَّبا فالله أعلم. قوله تعالى: { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } أي كالشيء الهشيم يقال للنبت إذا يبس وتفتت: رميم وهشيم. قال ٱبن عباس: كالشيء الهالك البالي وقاله مجاهد. ومنه قول الشاعر:
تَرَكْتَنِي حِينَ كَفَّ الدَّهرُ مِنْ بَصَرِي   وإذْ بَقِيتُ كعَظْمِ الرِّمَّةِ الْبَالِي
وقال قتادة: إنه الذي دِيس من يابس النبات. وقال أبو العالية والسدي: كالتراب المدقوق. قُطْرب: الرَّمِيم الرَّماد. وقال يمانٍ: ما رمته الماشية من الكلأ بمرمتها. ويقال للشفة المِرَمَّة والمِقَمَّة بالكسر، والْمَرَمَّة بالفتح لغة فيه. وأصل الكلمة من رَمَّ العظمُ إذا بلي تقول منه: رَمَّ العظم يَرِمَّ بالكسر رِمَّة فهو رميم، قال الشاعر:
ورَأَى عَواقِبَ خُلْفِ ذَاكَ مَذَمَّةً   تَبْقَى عليهِ والعظامُ رَمِيمُ
والرِّمة بالكسر العظام البالية والجمع رِمم ورِمام. ونظير هذه الآية:تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ } حسب ما تقدم.