الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قوله تعالىٰ: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ }. فيه ست وعشرون مسألة: الأولىٰ ـ قوله تعالىٰ: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ } الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسَعْيٍ ومن ذلك قول الشاعر:
وقد طوّفت في الآفاق حتى   رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر:
ومُطْعَم الغُنْم يوم الغنم مُطْعَمُه   أنَّى توجّه والمحروم محروم
والمغنم والغنيمة بمعنىً يقال غُنَم القوم غُنْماً. وٱعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالىٰ: { غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ } مال الكفار إذا ظفِر به المسلمون على وجه الغلبة والقَهْر. ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص على ما بيّناه، ولكن عُرف الشرع قيّد اللفظ بهذا النوع. وسَمّى الشرعُ الواصلَ من الكفار إلينا من الأموال بٱسمين: غنيمة وفيئاً. فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوّهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب يُسَمى غنيمة. ولزم هذا الاسم هذا المعنىٰ حتى صار عُرفاً. والفَيْء مأخوذ من فاء يفيء إذا رجع، وهو كل مال دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف. كخراج الأرضين وجزية الجماجم وخمس الغنائم. ونحو هذا قال سفيان الثَّوْرِيّ وعطاء بن السائب. وقيل: إنهما واحد، وفيهما الخمس قاله قتادة. وقيل: الفيء عبارة عن كل ما صار للمسلمين من الأموال بغير قهر. والمعنىٰ متقارب. الثانية ـ هذه الآية ناسخة لأوّل السورة عند الجمهور. وقد ٱدّعىٰ ابن عبد البر الإجماع على أن هذه الآية نزلت بعد قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومةٌ على الغانمين على ما يأتي بيانه. وأن قوله: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر على ما تقدّم أوّل السورة. قلت: ومما يدلّ على صحة هذا ما ذكره إسماعيل بن إسحاق قال: حدّثنا محمد بن كثير قال حدّثنا سفيان قال حدثني محمد بن السائب عن أبي صالح عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: " من قتل قتيلاً فله كذا ومن أسَر أسيراً فله كذا " وكانوا قتلوا سبعين، وأسروا سبعين، فجاء أبو اليَسَر بن عمرو بأسيرين فقال: يا رسول الله، إنك وعدتنا من قتل قتيلاً فله كذا، وقد جئتُ بأسيرين. فقام سعد فقال: يا رسول الله، إنا لم يمنعنا زيادةٌ في الأجر ولا جُبن عن العدوّ ولكنا قمنا هذا المُقام خشية أن يعطِف المشركون فإنك إن تُعطي هؤلاء لا يبقى لأصحابك شيء. قال: وجعل هؤلاء يقولون: فنزلت { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ قُلِ ٱلأَنفَالُ للَّهِ وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ } فَسَلَّموا الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم نزلت { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } الآية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد