الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصاً لهذه الأمة الشريفة، من بين سائر الأمم المتقدمة بإحلال الغنائم. والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار، بإيجاف الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك كالأموال التي يصالحون عليها، أو يتوفون عنها، ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك، هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف. ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة، وبالعكس أيضاً، ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية الحشرمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ } الحشر 7 الآية، قال فنسخت آية الأنفال تلك، وجعلت الغنائم أربعة أخماس للمجاهدين، وخمساً منها لهؤلاء المذكورين، وهذا الذي قاله بعيد لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، وتلك نزلت في بني النضير، ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة، أن بني النضير بعد بدر، وهذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب، فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة، يقول تلك نزلت في أموال الفيء، وهذه في الغنائم، ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعاً إلى رأي الإمام، يقول لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس، إذا رآه الإمام، والله أعلم. فقوله تعالى { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } توكيد لتخميس كل قليل وكثير، حتى الخيط والمخيط، قال الله تعالىوَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } آل عمران 161، وقوله { فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } اختلف المفسرون ههنا، فقال بعضهم لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة. قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع عن أبي العالية الرياحي، قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالغنيمة، فيخمسها على خمسة، تكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثم يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة، وهو سهم الله، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم، فيكون سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل، وقال آخرون ذكر الله ههنا استفتاح كلام للتبرك، وسهم لرسوله عليه السلام، قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية، فغنموا، خمس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسة، ثم قرأ { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } فأن لله خمسه، مفتاح كلام { لِّلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } فجعل سهم الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً، وهكذا قال إبراهيم النخعي والحسن بن محمد بن الحنفية، والحسن البصري والشعبي وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله بن بريدة وقتادة ومغيرة وغير واحد إن سهم الله ورسوله واحد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6