الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ }

وقرأ حماد بن أبي سليمان " بسِيْمائِهم " بالمدِّ. وتقدَّم الكلامُ على ذلك في آخر البقرة.

قوله: { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي } " يُؤْخَذُ " متعدٍّ، ومع ذلك تَعَدَّى بالباء؛ لأنه ضُمِّنَ معنى يُسْحَبُ، قاله الشيخ. وسحب إنما يُعَدَّى بـ " على " قال تعالى:يُسْحَبُونَ فِي ٱلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ } [القمر: 48] فكان يَنْبغي أَنْ يقولَ: ضُمِّنَ معنى يُدَعُّوْن، أي: يُدْفَعون. وقال مكي: " إنما يُقال: أَخَذْتُ الناصِيةَ وأخَذْتُ بالناصية. ولو قلت: أَخَذْتُ الدابَّةَ بالناصيةِ لم يَجُزْ. وحُكي عن العرب: أَخَذْتُ الخِطامَ، وأَخَذْتُ بالخِطام بمعنى. وقد قيل: إنَّ تقديرَه: فيُؤْخَذُ كلُّ واحدٍ بالنَّواصي، وليس بصوابٍ، لأنه لا يَتَعَدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بالباء، لِما ذكَرْنا. وقد يجوز أَنْ يتعدَّى إلى مفعولَيْنِ أحدُهما بحرفِ جرّ غيرِ الباء نحو: أَخَذْتُ ثوباً من زيد.

فهذا المعنى غيرُ الأولِ، فلا يَحْسُن مع الباء مفعولٌ آخرُ، إلاَّ أَنْ تجعلَها بمعنى: مِنْ أَجْل، فيجوزُ أن تقولَ: أَخَذْتُ زيداً بعمروٍ، أي: مِنْ أجلِه وبذنبِه " انتهى. وفيما قاله نَظَرٌ، لأنك تقولُ: أَخَذْتُ الثوبَ بدرهمٍ، فقد تعدَّى بغير " مِنْ " أيضاً بغير المعنى الذي ذكره.

وأل في النواصي والأقدام ليسَتْ عِوَضاً مِنْ ضمير عند البَصْريين فالتقدير: بالنواصي منهم، وهي عند الكوفيين عِوَضٌ. والنَّاصِيَةُ: مُقَدَّمُ الرأسِ. وقد تقدَّم هذا مستوفى في هود. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: " ما لكم لا تَنْصُون مَيِّتكم " ، أي: لا تَمُدُّون ناصِيته. والنَّصِيُّ مَرْعى طيب. وقولهم: " فلانٌ ناصيةُ القوم " يُحتمل أن يكونَ من هذا، يَعْنون أنه طيب مُنْتَفَعٌ به، أو مثلَ قولِهم: هو رأسُ القوم.