الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

أمَرهم بالإيمان بعد ما أمَرهم بإيفاء عهد الله تنبيهاً على أنّه العمدة في ذلك، بل لأحد أن يقول: إنّ الإيمان بما أنزل الله على رسوله هو عين الإيفاء بعهد الله على التأويل الذي سبَق ذكره في معنى العهْد، وهو النور الذي تتنوَّر به القلوب، ويسلك به سبيل الآخرة، وينكشف به حقائق الأمور، ويطلع به الإنسان على الحضرة الإلهيّة، وأفعاله، وآثاره، ولطفه، وحكمته في الدنيا والاخرة، قال تعالى: { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }.

فالنور هو جنس معاني القرآن، والكتاب آيات ألفاظه، وهو أي القرآن مُنزَل من الله إلى قلب النبي (صلى الله عليه وآله) إن اريد به المعاني. ومنزَل من السماء الدنيا على سمْعه الشريف إنْ أُريد به ألفاظه.

وكلاهما عند غيبته عن إدراك هذه الحواسّ الدنيوية، فإنّ السمع الذي كان به يسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) كلامَه، والبصَر الذي كان يبصر به شخص جبرائيل (عليه السلام) كانتا بوجه غير هاتين الحاسّتين العنصريّتين، وإن كانتا بوجه عينهما.

أمَرهم بالتصديق بهذا القرآن المنزَل، وأخبَرهم أن في تصديقهم بالقرآن تصديقاً منهم للتوراة والإنجيل؛ لأنّ الذي في القرآن مصدِّق لهما، ومؤكّد للإيمان بهما من حيث إنّه مطابِق لهما في القصص، والمواعيد، والدعاء إلى التوحيد، والأمر بالعبادة، والعدل بين الناس، والنهي عن المعاصي، والفواحش، وفيما يخالفها من جزئيّات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح، من حيث إنّ كلّ واحد منها حقٌّ بالإضافة إلى زمانه، مراعى فيها صلاح الأنام، ومَن خوطب بالكلام من الله، حتى لو نزَل المتقدّم من الأحكام في أيّام المتأخّر منها لكان على وفقه بأبلغ وجه ولذلك قال (صلى الله عليه وآله): " لو كان موسى حيّاً لَما وسعه إلاّ اتّباعي ".

وقيل: معناه أنَّه تصديق بالتوراة والإنجيل، لأنّ فيهما الدلالة على أنّه حق، وأنّه من عند الله. وفيهما البشارة ببعثة محمّد (صلى الله عليه وآله)، وبيان نعوته، وصفاته، فكان الإيمان بمحمّد (صلى الله عليه وآله) وبالقرآن تصديقاً للتوراة والإنجيل، وتكذيبه (صلى الله عليه وآله) تكذيباً لهما.

والتفسير الثاني أولى لأن يكون حجّة عليهم، إذ على التفسير الأوّل لقائل أن يقول: التوافق في بعض المعاني لا يوجب أن يكون القرآن من عند الله، فلا يلزم عليهم وجوب الإيمان به.

وأمّا على الثاني فيلزم عليهم الإيمان بحقّية القرآن، وتصديق الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا اشتمل الكتابان على كون محمد (صلى الله عليه وآله) صادقاً، فالإيمان بهما يوجب الإيمان بما يقوله (صلى الله عليه وآله). ومعلوم أنَّ الآية إنّما نزلت احتجاجاً عليهم، ودلالة لهم على وجوب الإيمان بمحمّد (صلى الله عليه وآله). وبالجملة فالدّال على إثبات نبوّته هاهنا وجهان:

أحدهما: شهادة كتب الأنبياء (عليهم السلام) عليه، وهي لا تكون إلاّ حقاً.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد