الرئيسية - التفاسير


* تفسير لباب التأويل في معاني التنزيل/ الخازن (ت 725 هـ) مصنف و مدقق


{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

قوله عز وجل: { سماعون للكذب أكّالون للسحت } نزلت في حكام اليهود مثل كعب بن الأشرف ونظرائه كانوا يرتشون ويقضون لمن رشاهم قال الحسن: كان الحاكم منهم إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه ثم يريها إياه ويتكلم بحاجته فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه فيسمع الكذب ويأكل الرشوة وهي السحت وأصل السحت الاستئصال يقال: سحته إذا استأصلته وسميت الرشوة في الحكم سحتاً، لأنها تستأصل دين المرتشي. والسحت كله حرام يحمل عليه شدة الشره وهو يرجع إلى الحرام الخسيس الذي لا تكون له بركة ولا لآخذه مروءة ويكون في حصوله عار بحيث يخفيه لا محالة ومعلوم أن حالة الرشوة كذلك فلذلك حرمت الرشوة على الحاكم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لعن الراشي والمرتشي في الحكم " أخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال الحسن: إنما ذلك في الحاكم إذا رشوته ليحق لك باطلاً أو يبطل عنك حقاً وقال ابن مسعود: الرشوة في كل شيء فمن شفع شفاعة ليرد بها حقاً أو يدفع بها ظلماً فأهدى بها إليه فقبل فهو سحت. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم كفر قال الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. قوله عز وجل: { فإن جاؤوك } يعني اليهود { فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك سيئاً } خيَّر الله رسوله صلى الله عليه وسلم في الحكم بينهم فإن شاء حكم وإن شاء ترك قال الحسن ومجاهد والسدي نزلت في اليهوديين اللذين زنيا. وقال قتادة: نزلت في رجلين من قريظة والنضير قتل أحدهما الآخر. قال ابن زيد: كان حيي بن أخطب قد جعل للنضير ديتين وللقرظي دية واحدة لأنه كان من بني النضير فقالت قريظة: لا نرضى بحكم حيي ونتحاكم إلى محمد فأنزل الله هذه الآية يخير نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في الحكم بينهم. فصل اختلف علماء التفسير في حكم هذه الآية على قولين: أحدهما أنها منسوخة وذلك أن أهل الكتاب كانوا إذا ترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم كان مخيراً فإن شاء حكم بينهم وإن شاء عرض عنهم ثم نسخ ذلك بقولهوأن احكم بينهم بما أنزل الله } [المائدة: 49] فلزمه الحكم بينهم وزال التخير هذا القول مروي عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والسدي. والقول الثاني: إنها محكمة وحكام المسلمين بالخيار إذا ترافعوا إليهم فإن شاؤوا حكموا بينهم وإن شاؤوا أعرضوا عنهم وهذا القول مروي عن الحسن والشعبي والنخعي والزهري وبه، قال أحمد: لأنه لا منافاة بين الآيتين.

السابقالتالي
2