الرئيسية - التفاسير


* تفسير الكشف والبيان / الثعلبي (ت 427 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } وقرأ السلمي يسارعون في الكفر أي في هؤلاء الكفار ومظاهرتهم فلم يعجزوا اللّه { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } وهم المنافقون نظيره، قولهوَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ } يعني قوّالين به يعني بني قريضة { سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } يعني يهود خيبر وذلك عين ما قاله أهل التفسير وذلك " أن رجلاً وامرأة من أشراف أهل خيبر زنيا، وإسم المرأة بسرة وكانت خيبر حرباً لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان الزانيان محصنين، وكان حدّهما الرّجم في التوراة فكرهت اليهود رجمهما لشرفهما فقالوا: إن هذا الرجل النبي بيثرب ليس في كتابه الرّجم ولكنه الضرب فأرسلوا إلى إخوانكم بني قريضة فإنهم صلح له وجيرانه، فليسألوه، فبعثوا رهطاً منهم مستخفين. فقالوا لهم: سلوا محمداً عن الزانيين إذا أحصنا أحدهما فإن أمركم بالجلد فاقبلوا منه وإن أمركم بالرجم فاحذروه ولا تقبلوا منه وأرسلوا الزانين معهم فقدم الرهط حتى نزلوا على قريظة والنضير. فقال لهم: إنكم جيران هذا الرجل ومعه في بلده، وقد حدث فينا حدث زنيا وقد أحصنا فيجب أن تسألوا لنا محمداً عن قضائه، فقال لهم بنو قريظة والنضير: إذاً واللّه يأمركم بما تكرهون من ذلك ثم إنطلق قوم منهم كعب بن الأشرف وكعب بن أسيد وسعد بن عمرو ومالك بن الصيف وكنانة بن أبي الحقيق وعباس بن قيس وأبو نافع وأبو يوسف وعازار وسلول إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد أخبرنا عن الزاني والزانية إذا أحصنا ما حدّهما وكيف تجد في كتابك؟ فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " وهل ترضون قضائي في ذلك؟ "

قالوا: نعم، فنزل جبرئيل بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به، فقال له جبرئيل: إجعل بينك وبينهم إبن صوريا ووصفه له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هل تعرفون شاباً أمرد أبيض أعور يسكن فدك يقال له إبن صوريا " قال: فأي رجل فيكم؟

قالوا: هو أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض بما أنزل اللّه تعالى على موسى في التوراة، قال: أرسلوا إليه، ففعلوا فأتاهم عبد اللّه بن صوريا، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " أنت إبن صوريا؟ " قال: نعم، قال: " فأنت أعلم اليهود؟ " ، قال: كذلك يزعمون، قال: " أتجعلونه بيني وبينكم؟ " قالوا: نعم قد رضينا به إذ رضيت به، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " فإني أنشدك باللّه الذي لا إله إلاّ هو القوي إله بني إسرائيل الذي أنزل التوراة على موسى الذي أخرجكم من مصر وفلق لكم البحر وأنجاكم وأغرق آل فرعون والذي ضلل الغمام فأنزل عليكم المنّ والسلوى وأنزل عليكم كتابه فيه حلاله وحرامه فهل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن ". قال إبن صوريا: نعم والذي ذكّرني به لولا خشيت أن تحرقني التوراة إن كذبت أو غيّرت ما اعترفت لك ولكن كيف هو في كتابك يا محمد؟ قال: " إذا شهد أربعة رهط عدول إنه قد أدخله فيهاكما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم ".قال إبن صوريا: والذي أنزل التوراة على موسى هكذا أنزل اللّه في التوراة على موسى فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " فماذا كان أوّل ما ترخصتم به أمر اللّه "؟

قال: كنّا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا للضعيف أقمنا عليه الحد وكثر الزنا في أشرافنا حتى زنا إبن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنا رجل آخر في أسوة من الناس فأراد ذلك الملك رجمه فقام دونه قومه، فقال: واللّه لا ترجمون حتى يرجم فلاناً إبن عم الملك. فقال: تعالوا نجتمع فلنضع شيئاً دون الرجم يكون مكان الرجم فيكون على الشريف والوضيع فوضعنا الجلد والتحميم وهو أن يجلد أربعين جلدة بحبل مطلي بالقار ثم يسوّد وجوههما ثم يحملان على حمارين فحوّل وجوههما من قبل دبر الحمار ويطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم.قال اليهود لابن صوريا: ما أسرع ما أخبرته به وما كنت لما اتهمتنا عليك بأهل، ولكنّك كنت غائباً فكرهنا أن نغتابك فقال لهم: نشد في التوراة لولا ضنيت التوراة أن تهلكني لما أخبرته به، فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما عند باب مسجده، وقال: " أنا أول من أحيا أمره إذ أماتوه ".


السابقالتالي
2 3 4 5