الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ } * { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ } * { فِي جَنَّاتٍ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } * { قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ } * { وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ } * { وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ } * { وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } * { حَتَّىٰ أَتَانَا ٱلْيَقِينُ } * { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ }

قوله: { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }. فيه أوجه:

أحدها: أنَّ " رَهِينَةٌ " بمعنى " رَهْنٍ " كـ " الشَّتِيمة " بمعنى " الشَّتْم ".

قال الزمخشري: ليس كتأنيث " رهين " في قوله:كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [الطور: 21] لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل: رهين؛ لأن " فعيلاً " بمعنى " مفعول " يستوي فيه المذكر والمؤنث، وإنَّما هي اسم بمعنى " الرهن " كالشتيمة بمعنى " الشّتم " كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت الحماسة: [الطويل]
4972 - أبَعْدَ الذي بالنَّعْفِ نَعْفِ كُويكِبٍ   رَهِينَةِ رَمْسٍ ذي تُرابٍ وجَنْدلِ
كأنَّه قال: " رَهْنِ رَمْسٍ ".

الثاني: أن الهاء للمبالغة.

الثالث: أنَّ التأنيث لأجل اللفظ.

واختار أبو حيان: أنها بمعنى " مفعول " وأنها كالنَّطيحة، وقال: ويدل على ذلك أنَّه لما كان خبراً عن المذكر كان بغير هاء، وقال تعالى: { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } فأنَّثَ حيث كان خبراً عن المذكر أتى بغير تاء، وحيث كان خبراً عن مؤنث أتى بالتاء كما في هذه الآية فأمَّا التي في البيت فأنَّثَ على معنى النَّفْسِ.

فصل في معنى رهينة

ومعنى " رهينة " أي: مُرتهَنَة بكسبها، مأخوذة بعملها، إمَّا خلَّصهَا وإمَّا أوبقها.

قوله: { إِلاَّ أَصْحَابَ ٱلْيَمِينِ }. فيه وجهان:

أحدهما: أنَّه استثناء متصل إذا المراد بهم المسلمون الخالصون الصالحون، فإنَّهم فكُّوا رقاب أنفسهم بأعمالهم الحسنة كما يخلِّص الراهن رهنه بإيفاءِ الحق.

والثاني: أنَّه منقطع، إذا المراد به الأطفال والملائكة.

قال ابن عباس: المراد بهم الملائكة.

وقال عليُّ بن أبي طالب وابن عمر - رضي الله عنهما - هم أولاد المسلمين لم يكتسبوا فيُرْتهَنُوا.

وقال الضحاك: هم الذين سبقت لهم منا الحسنى، ونحوه عن ابن جريج قال: كل نفس بعملها محاسبة إلا أصحاب اليمين، وهم أهل الجنة فإنَّهم لا يحاسبون.

وكذا قال مقاتل والكلبي أيضاً: هم أصحاب الجنة الذين كانوا عن يمين آدم - عليه الصلاة والسلام - يوم الميثاق حين قال الله تعالى لهم: " هؤلاء في الجنة ولا أبالي ".

قال الحسن وابن كيسان: هم المسلمون المخلصون ليسوا بمرتهنين، لأنهم أدَّوا ما كان عليهم.

وعن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: هم المسلمون.

وقيل: إلا أصحاب الحق وأهل الإيمان.

وقيل: هم الذين يُعطون كتبهم بأيمانهم.

وقال أبو جعفر الباقرُ: نحن وشيعتنا أصحاب اليمين، وكل من أبغضنا أهل البيت فهم المرتهنون.

قوله تعالى: { فِي جَنَّاتٍ }. يجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمرٍ، أي: هم في جنات، وأن يكون حالاً من " أصحاب اليمين " ، وأن يكون حالاً من فاعل " يتساءلون ".

السابقالتالي
2 3