الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

{ سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ } كرر للتأكيد أن جعلناه فى حق المنافقين واليهود ومنافقى اليهود، ولك أن تجعله مستأنفاً فى وصف اليهود، فلا تكرير ويدل قوله { أَكَّالُونَ لِلسُّحتِ } لأن المتبادر فى ذلك الزمان أن أكل السحت فعل اليهود، يأكلون المال على الرشوة والكتمان والتحريف، والسحت المال الحرام، سمى لأنه مسحوت البركة، ولأنه سحت الدين والمروءة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائى ويعقوب، بضم الحاء والسين وهو لغة، قرىء بفتح السين والحاء وبفتحها مع اسكان الحاء والمعنى واحد، وقرىء بفتح السين واسكان الحاء على المصدرية، أى المال السحت، أو سمى المال الحرام باسم القطع وهو السحت بالفتح والاسكان مبالغة، كأنه نفس القطع. فالسحت بالضم المال الآتى بطريق الرشوة فى الحكم، وكتم الحق، والتحريف والشفاعة فى حدود الله وبالربا، وبوجه من وجوه الحرام كله كالزناء والكهانة والدلالة على نفس أو مال، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، وهما من التحريف. قال الحسن كان الحاكم فى بنى اسرائيل اذا أتاه أحد برشوة جعلها فى كمه فأراها اياه، وتكلم بحاجته، فيسمع منه ولا ينظر الى خصمه، فهو يسمع الكذب، ويأكل الرشوة يفسر بذلك سماعون للكذب، أكالون للسحت، ويلتحق بهؤلاء اليهود الفساق الفاعلون لذلك. كما روى أن عاملا قدم من علمه فجاءه قومه، فقدم اليه العراضة وجعل يحدثهم بما جرى له فى علمه، فقال أعرابى من قومه نحن كما قال تعالى { سَمَاعُونَ لِلكَذِبِ أَكَالُونَ لِلسُّحتِ } وقال صلى الله عليه وسلم " كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به " وفى الحديث " لعن الله الراشى والمرتشى " قال الحسن انما ذلك فى الحاكم اذا رشوته ليحق لك باطلا، أو يبطل حقاً، وقال ابن مسعود الرشوة فى كل شىء ممن شفع شفاعة ليرد بها حقا، أو يدفع بها ظلماً، فأهدى اليه لذلك فقبل، فقيل يا أبا عبد الرحمن ما كنا نرى ذلك الا الأخذ على الحكم. { فَإِن جَآءُوكَ } أى اليهود. { فَاحكُم بَيْنَهُم } بالقرآن. { أَوْ أَعرِض عَنْهُم وَإِن تُعرِضْ عَنهُم فَلَن يَضُرُوكَ شَيئَا } أى لن يضروك ضراً بقتال ولا ضرب، أو لن يضروك فى دينك ضراً أى ليس عليك فى الاعراض عنهم بشىء من الاثم، وغير اليهود من المشركين مثلهم، فان جاء مؤمن ومشرك وجب الحكم كما اذا جاء مؤمنان، وقيل ذلك فى غير أهل الذمة، وأما الذين كانوا فى الذمة يجب الحكم بينهم، أو وجب الذب عنهم، فذب بعضهم عن بعض، وذب عنهم غيرهم. وليست الآية فى أهل الذمة، والآية محكمة باقية الحكم لخبر اذا جاءنا يهوديان حكمنا بينهما أو أعرضنا عنهما، ومثلهما نصرانيان وغيرهم من المشركين سواء من كان فى الذمة ومن لم يكن، ومثل هذا عن أحمد والنخعى والشعبى والحسن والزهرى، وذلك لأنهم ليسوا على دين الله، ولا حق لهم فى أمر الدين، ولو كانوا ذمة، وانما علينا رد الظلم عنهم اذا عاينا الظلم، وأقامت به البينة لا نصب الحكم بينهم، ليذكر كل منهم حجته.

السابقالتالي
2