الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلٰوةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَٰوةَ وَٱرْكَعُواْ مَعَ ٱلرَّٰكِعِينَ }

فيه أربع وثلاثون مسألة: الأولى: قوله تعالى: { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } أمْرٌ معناه الوجوب، ولا خلاف فيه وقد تقدّم القول في معنى إقامة الصلاة وٱشتقاقها وفي جملة من أحكامها، والحمد لله. الثانية: قوله تعالى: { وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ } أمْرٌ أيضاً يقتضي الوجوب. والإيتاء: الإعطاء. آتيته: أعطيته قال الله تعالى:لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ } [التوبة: 75]. وأتيته ـ بالقصر من غير مَدّ ـ جئته فإذا كان المجيء بمعنى الاستقبال مُدّ ومنه الحديث: «ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه». وسيأتي. الثالثة: الزكاة مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد يقال: زكا الزرعُ والمالُ يزكو إذا كثر وزاد. ورجل زكي أي زائد الخير. وسُمّيَ الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المزكِّي. ويقال: زرع زاكٍ بيّن الزكاء. وزكأت الناقة بولدها تزكأ به: إذا رمتْ به من بين رجليها. وزكا الفرد: إذا صار زوجاً بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعاً. قال الشاعر:
كانوا خَساً أو زَكاً من دون أربعة   لم يَخْلَقُوا وجدود الناس تَعْتَلِجُ
جمع جَدّ وهو الحظّ والبخت. تعتلج أي ترتفع. اعتلجت الأرض: طال نباتها. فخساً: الفردُ، وزكاً: الزّوْج. وقيل: أصلها الثناء الجميل ومنه زكَّى القاضي الشاهد. فكأن مَن يُخرج الزكاة يحصل لنفسه الثناء الجميل. وقيل: الزكاة مأخوذة من التطهير كما يقال: زكا فلان أي طهر من دنس الجَرْحة والإغفال. فكأن الخارج من المال يطهّره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين. ألا ترى أن النبيّ سمَّى ما يخرج من الزكاة أوساخَ الناس وقد قال تعالى:خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103]. الرابعة: وٱختلف في المراد بالزكاة هنا فقيل: الزكاة المفروضة، لمقارنتها بالصلاة. وقيل: صدقة الفطر قاله مالك في سماع ٱبن القاسم. قلت: فعلى الأوّل ـ وهو قول أكثر العلماء ـ فالزكاة في الكتاب مجملة بيّنها النبيّ صلى الله عليه وسلم فروى الأئمة عن أبي سعيد الخدريّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " ليس في حَبّ ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أَوْسُق ولا فيما دون خمسِ ذَوْدٍ صدقة ولا فيما دون خمسِ أواقٍ صدقة " وقال البخاري: " خمس أواق من الورِق " وروى البخاريّ عن ٱبن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " فيما سَقتِ السماء والعيون أو كان عَثرِيًّا العُشْرُ وما سُقي بالنَّضْح نصفُ العُشر " وسيأتي بيان هذا الباب في «الأنعام» إن شاء الله تعالى. ويأتي في «براءة» زكاة العين والماشية، وبيان المال الذي لا يؤخذ منه زكاة عند قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }. وأما زكاة الفطر فليس لها في الكتاب نصٌّ عليها إلا ما تأوّله مالك هنا، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد