الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } * { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ }

قوله - عز وجل -: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ }.

قد ذكرنا فيما تقدم أنه إنما هو حرف تعجب وتنبيه؛ فهو يخرج على وجهين:

أحدهما: على الخبر؛ أي: قد رأوا أنا فعلنا ما ذكر.

والثاني: على الأمر؛ أي: [رَوْا أنَّا] فعلنا ما ذكر؛ وهو ما ذكر من قوله:أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ } [الروم: 9] أي: قد ساروا في الأرض؛ أو سيروا.

{ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا }.

قال بعضهم: هو ما جعل من أرض الكفرة للمسلمين؛ بالفتح لهم؛ والنصر على أولئك؛ والإخراج من سلطان أولئك الكفرة وأيديهم، وإدخالها في أيدي المسلمين؛ فذلك النقصان. [وهو] والله أعلم لما وعد لرسوله أن يريه بعض ما وعد لهم؛ فقال الكفرة عند ذلك: أين ما وعد أن يريك؟ فقال عند ذلك: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا } أي: ألم يروا أنه جعل بعض ما كان لهم من الأرضين للمسلمين؛ فإذا قدر على جعل البعض - الذي كان لهم لهؤلاء؛ لقادر أن يجعل الكل لهم؛ فهلا يعتبرون.

هذا والله أعلم ما أراد بما ذكر من النقصان.

وقال قائلون: نقصان الأرض: موت فقهائها وعلمائها وفنائها.

ووجه هذا: وهو أن الفقهاء والعلماء - هم عمّار الأرض وأهلها؛ وبهم صلاح الأرض؛ فوصف الأرض بالنقصان بذهاب أهلها، وهو كما وصف الأرض بالفساد؛ وهو قوله:لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } [البقرة: 251] وقوله:ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } [الروم: 41] فالأرض لا تفسد بنفسها؛ ولكن وصفت بالفساد؛ لفساد أهلها، فعلى ذلك لا تنقص هي بنفسها؛ ولكن وصفت بالنقصان؛ لذهاب أهلها، وعمارها وفقهائها وعلمائها.

ثم يحتمل ذهاب العلماء المتقدمين، الذين تقدموا رسول الله في الأمم السالفة؛ وهم علماء أهل الكتاب؛ فيقول ألا يعتبرون بأولئك الذين قبضوا وتفانوا من علمائهم؟ فلا بدّ من رسول يعلمهم الآداب والعلوم؛ ويجدد لهم ما دَرَس من الرسوم [وذهب] من الآثار؛ فكيف أنكروا رسالته؟ وفي بعث الرسول حدوث العلماء؛ وذلك وقت حدوث العلماء وزمانه؛ فإن كان أراد العلماء المتأخرين وفقهاءهم - فيخرج ذلك مخرج التعزية له؛ أي: تصير الأرض بحال توصف بالنقصان، بذهاب العلماء والفقهاء. والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ }.

قيل: لا رادّ لحكمه، وحكمه: يحتمل: العذاب الذي حكم على الكفرة؛ يقول: لا رادَّ للعذاب الذي حكم عليهم؛ [وهو كقوله:رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ } [الأنبياء: 112] أي: احكم بالعذاب الذي حكمت عليهم].

ويحتمل قوله: { لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } أي: لا يتعقب أحد حكمه؛ ولا يعقب أحد سلطانه؛ كما يكون في حكم الخلائق يتعقب بعض عن بعض، وكما ذكر في الحفظة:لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } [الرعد: 11] يتعقب بعض عن بعض في الحفظ؛ وفيما سلطوا.

السابقالتالي
2