الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُواْ وَإِنْ كُنْتُمْ مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّن ٱلْغَآئِطِ أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً }

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } بنوم أو خمر. { حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } فى صلاتكم، فـ { حتى } للتعليل لا للغاية لأن الغاية يقيدها جملة الحال وهى قوله تعالى { وَأَنْتُمْ سُكَارَى } ، وجعلها القاضى للغاية، وقال الضحاك المراد قوله { وَأَنْتُمْ سُكَارَى }. قال صلى الله عليه وسلم " إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يذهب يستغفر ربه فيسب نفسه " السكر من النوم. وقال جمهور الصحابة والتابعين المراد السكر من الخمر لأن سبب الآية الخمر كما مر فى قولهيسألونك عن الخمر والميسر } وقد يرجح هذا فيحمل عليه النوم، أو تحمل الآية على العموم كما رأيت، وذلك أن السكر يفهم بضم السين وإسكان الكاف يستعمل فى النوم والخمر أخذاً من سكر الماء بفتحهما، وهو سد مجراه لانسداد مجارى الروح إلى الحواس الظاهرة بالنوم أو بالخمر، وقيل المراد بالصلاة مواضعها، والكلام مجاز سواء أريد نعس الصلاة أو موضعها، فأما على الأول فلأن القرب حقيقة بالقرب إلى محسوس من الأجسام، فشبهت بمحسوس من الأجسام، لأن بدن الإنسان بحس وتعلم به. وأما على الثانى فلأن موضعها غير مذكور، بل يقدر مضاف كما رأيت أو تطلق على محلها. والذى عندى أن الحمل على نفس الصلاة أولى، لأنه سالم من الحذف، والقرب للصلاة قريب من الحقيقة، إن لم يقل قائل إن القرب للأفعال حقيقة فى العرف العام، فعلى الأول لا يجوز للجنب أن يدخل المسجد أيضاً كما لا يصلى لورود النهى فى الحديث عن دخوله المسجد، ولفظ الآية فهى السكران عن الصلاة، فيكون نهياً لهُ عما لا طاقة لهُ على فعله أو تركه على العمد للأفعال، والجواب أنهُ قد يبقى له ما يميز به، كما يروى أنه ينشد الشعر ويعرف ما يغيظهُ من الكلام، فهذا هو المخاطب وأن المراد النهى عن الإفراط فى الشرب الذى هو سبب لقرب الصلاة فى سكر، وألف سكارى للتأنيث وهو جمع سكران، وقرئ بفتح السين فألفهُ للتأنيث أيضاً لكن فيه على هذه القراءة منهى صيغة الجموع، وقرئ سكرى بفتح السين وإسكان الكاف جمع سكر بفتحها وكسر الكاف كزمن وزمنى أو مفرد، أى وأنتم جماعة سكرى، وبضمها وإسكان الكاف مفرد أيضاً كحبلى، أى وأنتم جماعة سكرى، كما يروى كسلى وكسلى بإسكان السين مع ضم الكاف أو مع فتحها. { وَلاَ جُنُباً } عطف على جملة الحال لأن المعنى لا تقربوا الصلاة سكارى، والجنب ذو الجنابة، وهو يطلق على الجمع والمفرد المؤنث وغيرهما كالمصدر، وسمى من أجنب جنباً لأن الجنابة لغة البعد، ومن أجنب بعيد عن الصلاة والصوم والمسجد وتلاوة القرآن، الطهارة مطلقة على الصحيح عندنا وعند الحنفية وهو قول ابن عباس.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9