الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ }

لا محالة أن جملة { استمع } عطف على جملةسَبح بحمد ربك } ق 39، فالأمر بالاستماع مفرع بالفاء التي فرع بها الأمر بالصبر على ما يقولون. فهو لاحق بتسلية النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون المسموع إلا من نوع ما فيه عناية به وعقوبة لمكذبيه. وابتداء الكلام بــ { استمع } يفيد توثيقاً إلى ما يرد بعده على كل احتمال. والأمر بالاستماع حقيقته الأمر بالإنصات والإصْغاء. وللمفسرين ثلاث طرق في محمل { استمع } ، فالذي نحاه الجمهور حمل الاستماع على حقيقته وإذ كان المذكور عقب فعل السمع لا يصلح لأن يكون مسموعاً لأن اليوم ليس مما يُسمع تعين تقدير مفعول لــ { استمع } يدل عليه الكلام الذي بعده فيقدر استمع نداءَ المنادي، أو استمع خبرهم، أو استمع الصيحة يوم ينادي المنادي. ولك أن تجعل فعل { استمع } منزلاً منزلة اللازم، أي كُن سامِعاً ويتوجه على تفسيره هذا أن يكون معنى الأمر بالاستماع تخييلاً لصيحة ذلك اليوم في صورة الحاصل بحيث يؤمر المخاطب بالإصغاء إليها في الحال كقول مالك بن الرَّيّب
دَعاني الهوى من أهل ودي وجيرتي بذي الطَّبَسَيْن فالتفَتُّ وَرائيا   
ونحَا ابنُ عطية حمل { استمع } على المجاز، أي انتظر. قال «لأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بأن يستمع في يوم النداء لأن كل مَن فيه يستمع وإنما الآية في معنى الوعيد للكفار فقيل لمحمد صلى الله عليه وسلم تحسس هذا اليوم وارتقبه فإن فيه تبّين صحة ما قلته» اهــ. ولم أر مَن سَبَقه إلى هذا المعنى ومثله في «تفسير الفخر» وفي «تفسير النسفي». ولعلهما اطلعا عليه لأنهما متأخران عن ابن عطية وهما وإن كانا مشرقيّين فإن الكتب تُنقل بين الأقطار. وللزمخشري طريقة أخرى فقال «يعني واستمع لما أخبرك به من حال يوم القيامة. وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبَر به كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل " يا معاذ اسمع ما أقول لك ثم حدثه بعد ذلك " ولم أرَ من سبقه إلى هذا وهو محمل حسن دقيق. واللائق بالجري على المحامل الثلاثة المتقدمة أن يكون { يوم يناد المنادي } مبتدأ وفتحته فتحة بناء لأنه اسم زمان أضيف إلى جملة فيجوز فيه الإعراب والبناءُ على الفتح، ولا يناكده أن فعل الجملة مضارع لأن التحقيق أن ذلك وارد في الكلام الفصيح وهو قول نحاة الكوفة وابنِ مالك ولا ريبة في أنه الأصوب. ومنه قوله تعالىقال الله هذَا يوم ينفع الصادقين صدقهم } المائدة 119 في قراءة نافع بفتح { يومَ }. وقوله { يوم يسمعون الصيحة } بدل مطابق من { يوم يناد المنادي } وقوله { ذلك يوم الخروج } خبر المبتدأ. ولك أن تجعل { يوم يناد المنادي } مفعولاً فيه لــ { استمع } وإعراب ما بعده ظاهر.

السابقالتالي
2 3