قوله: { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَافِلاً } - إلى قوله - { لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }: المعنى: ولا تحسبن الله يا محمد ساهياً عن عمل هؤلاء المشركين من قومك. بل هو عالم بهم، يحصي عليهم جميع أعمالهم، ليجازيهم عليها. وهذه الآية " وعيد للظالم / وتعزية للمظلوم ". ثم قال تعالى: { إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلأَبْصَارُ }: أي: إنما يؤخر عقابهم ليوم القيامة، يوم تشخص فيه أبصار الظالمين. فلا ترتد إليهم. ثم قال تعالى: { مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ }. قال قتادة: مهطعين: مسرعين. وقال ابن جبير، عن قتادة: " مهطعين منطلقين، عامدين إلى الداعي. وقال ابن عباس (رحمه الله): مهطعين: مديمي النظر، من غير أن تطرف أبصارهم. وقاله مجاهد. وقال ابن زيد: المهطع: الذي لا يرفع رأسه، والإهطاع في كلام العرب: الإسراع. وقال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وقتادة: الإقناع: رفع الرؤوس. وأصل الأهطاع: الإقبال على الشيء بالنظر، ينظر دائماً، لا يرفع بصره، ولا يطرف. وهو بمعنى قول مجاهد، والضحاك، وهو قول الخليل: ودليله قوله: { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ }: أي: يديمون النظر، لا يطرفون. قال الحسن: " وجوه الناس يوم القيامة إلى السماء، لا ينظر أحد - إلى أحد. والمقنع في اللغة: الرافع رأسه. حكى أبو العباس: أقنع إذا رفع رأسه، وأقنع: إذا طأطأ رأسه ذلاً وخضوعاً. فتحتمل الآية القولين جميعاً. قال: ويجوز أن يرفع رأسه مديماً للنظر، ثم يطأطأه ذُلاً وخضوعاً. ومن الارتفاع قيل: مقنعة للتي يجعلها النساء على رؤوسهن، لارتفاعها على الرأس. ومنه قنع الرجل إذا رضي، لأنه رفع نفسه على السؤال، وقنع إذا سأل، أي: أتى ما يتقنع منه. ثم قال تعالى: { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }: والمعنى عند ابن عباس رضي الله عنه: " لا ترجع إليهم لشدة النظر أبصارهم ": أي: هي شاخصة. ومعنى: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }: أي: منحرفة، لا تعي من الخير شيئاً، قاله ابن عباس. كما تقول: ليس في البيت شيء، إنما هو هواء. قال ابن عباس: وليس فيها شيء من الخير فهي كالخربة. وقال ابن زيد: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } الأفئدة: القلوب ليس فيها عقل، ولا منفعة. وقيل: معناه: لا تستقر في مكان، فلا ترتد في أجوافهم. قال ابن جبير: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ }: " تمور في أجوافهم، ليس لها مكان تستقر فيه ". وقال الضحاك: { وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } معناه: " ليس فيها شيء، خرجت من صدورهم فنشبت في حلوقهم " ، وقاله السدي. قال قتادة: " انتزعت حتى صارت في حناجرهم، لا تخرج من أفواههم، ولا تعود إلى أمكنتها. وأصل الهواء في اللغة: المجوف الخالـ(ـي). ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } ، والمعنى: وأنذر الناس الذين أرسلت إليهم يا محمد { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ }: وهو يوم القيامة.