الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ أَتَأمُرُونَ النَّاسَ } استفهام توبيخ لليهود أو استفهام تعجب لمن يستمع مخاطبته إياهم بهذه الآية، أو تعجب لهم لو عقلوا، أى يصيرهم متعجبين من فعلتهم هذه لو انتهوا بعدها وتركوها. أو استفهام توبيخ وتعجب، لأن من حيث استعمال اللفظ في معنييه بل من حيث أن كون الشىء مما يوبخ عليه يقتضى التعجب من ارتكابه أو استفهام تقرير مع توبيخ وتعجب، ومعنى هذا التقرير الحمل على الإقرار أو التحقيق والتثبيت، ذكره السعد كذلك، والناس الحقيقة لا بأس مخصون فيصدق بكل من يأمرونه. { بِالبِرِّ } الخير وهو الإيمان بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبما جاء به والعمل به، أو بالتوراة، واعلم أن أصل البر التوسع فى الخير والمعروف، ويطلق أيضاً على سعتهما مأخوذ من البر ضد البحر وهو الفضاء الواسع، وأل فى البر للحقيقة لا للاستغراق، لأنهم لا يأمرون بكل خير على ما ذكره السعد، وعندى يجوز أن تكون للاستغراق، لأنهم إذا أمروا الناس باتباع سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما جاء به فقد أمروهم بكل خير، وإنما تتعين الحقيقة فى تفسير البر الذى يأمرون به بالصدقة أو نحوها من الإفراد والاستغراق أولى لثبوت أمرهم بالإيمان بالنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ والبر يتناول كل خير وهو بر فى عبادة الله ـ عز وعلا ـ وبر فى الأقارب وبر فى الأجانب. { وَتَنْسَوْنَ أنْفُسَكمْ } تؤخرونها عن البر وتتركونها عنه، فلا تأمرونها به فإن نسى يكون بمعنى آخر ويكون بمعنى ترك، ويجوز أن يكون هنا أيضاً من النسيان ضد الذكر، والإنسان لا ينسى نفسه لكن شبه تركهم أنفسهم من الخير عمداً بالنسيان فى الغفلة والإهمال وعدم المبالاة، كما يترك الشىء المنسى لعدم المبالاة به، فسماه باسم النسيان على طريقة الاستعارة الأصلية التحقيقية التصريحية، واشتق منه ينسى بمعنى يترك على طريق الاستعارة التبعية التصريحية التحقيقية. قال ابن عباس رضى الله عنهما كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة، وكانوا يخالفونها فى جحدهم صفة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالت فرقة كانت الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب فى اتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ دلوه على ذلك وهم لا يفعلونه. وعن ابن عباس أيضاً أنها نزلت فى أحبار يهود أعمال المدنية، كانوا يأمرون سرا من نصحوه من أقاربهم وغيرهم باتباع محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا يتبعونه، وكان الحبر يقول لقريبه وحليفه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم اثبت على دينه فإن أمره حق وقوله صدق. وقيل كان جماعة من اليهود قالوا لمشركى العرب إن رسولا سيظهر منكم ويدعوكم إلى الحق، وكانوا يرغبونهم فى اتباعه، فلما بعث سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم حسدوه وكفروا به فوبخهم الله عز وجل بذلك، إذ أمروا الناس باتباعه قبل ظهوره، فلما ظهر تركوه وأعرضوا عنه، وقيل كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدقون، وإذا أوتوا بصدقات ليفرقوها خانوا فيها، وقيل كانوا يأمرون الناس بالطاعة والصلاة والزكاة وأنواع البر ولا يفعلونها، فوبخهم الله عز وجل بذلك.

السابقالتالي
2 3