الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ }

أي إذا تبين أنهم لا يرجعون فدعهم حتى يلاقوا وفيه مسائل: /المسألة الأولى: { فَذَرْهُمْ } أمر وكان يجب أن يقال لم يبق للنبي صلى الله عليه وسلم جواز دعائهم إلى الإسلام وليس كذلك، والجواب عنه من وجوه أحدها: أن هذه الآيات مثل قوله تعالى:فَأَعْرَضَ } [النساء: 63] وتَوَلَّ عَنْهُمْ } [الصافات: 178] إلى غير ذلك كلها منسوخة بآية القتال وهو ضعيف، ثانيها: ليس المراد الأمر وإنما المراد التهديد كما يقول سيد العبد الجاني لمن ينصحه دعه فإنه سينال وبال جنايته ثالثها: أن المراد من يعاند وهو غير معين والنبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الخلق على سبيل العموم ويجوز أن يكون المراد بالخطاب من لم يظهر عناده لا من ظهر عناده فلم يقل الله في حقه { فَذَرْهُمْ } ويدل على هذا أنه تعالى قال من قبلفَذَكّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ بِكَـٰهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } [الطور: 29] وقال ههنا { فَذَرْهُمْ } فمن يذكرهم هم المشفقون الذينقَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ } [الطور: 26] ومن يذرهم الذين قالواشَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [الطور: 30] إلى غير ذلك. المسألة الثانية: { حَتَّىٰ } للغاية فيكون كأنه تعالى قال: ذرهم إلى ذلك اليوم ولا تكلمهم ثم ذلك اليوم تجدد الكلام وتقول ألم أقل لكم إن الساعة آتية وإن الحساب يقوم والعذاب يدوم فلا تكلمهم إلى ذلك اليوم ثم كلمهم لتعلمهم ثانيها: أن المراد من حتى الغاية التي يستعمل فيها اللام كما يقول القائل لا تطعمه حتى يموت أي ليموت، لأن اللام التي للغرض عندها ينتهي الفعل الذي للغرض فيوجد فيها معنى الغاية ومعنى التعليل ويجوز استعمال الكلمتين فيها ولعلّ المراد من قوله تعالى:وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99] هذا أي إلى أن يأتيك اليقين، فإن قيل فمن لا يذره أيضاً يلاقي ذلك اليوم، نقول المراد من قوله { يُصْعَقُونَ } يهلكون فالمذكر المشفق لا يهلك ويكون مستثنى منهم كما قال تعالى:فَصَعِقَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمِنَ ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاء ٱللَّهُ } [الزمر: 68] وقد ذكرنا هناك أن من اعترف بالحق وعلم أن يوم الحساب كائن فإذا وقعت الصيحة يكون كمن يعلم أن الرعد يرعد ويستعد لسماعه، ومن لا يعلم يكون كالغافل، فإذا وقعت الصيحة ارتجف الغافل ولم يرتجف العالم، وحينئذ يكون التوعد بملاقاة يومهم لأن كل أحد يلاقي يومه وإنما يكون بملاقاة يومهم الذي فيه يصعقون، أي اليوم الموصوف بهذه الصفة، وهذا كما قال تعالى:لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مّن رَّبّهِ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ } [القلم: 49] فإن المنفي ليس النبذ بالعراء لأنه تحقق بدليل قوله تعالى:فَنَبَذْنَـٰهُ بِٱلْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ } [الصافات: 145] وإنما المنفي النبذ الذي يكون معه مذموماً وهذا لم يوجد.

السابقالتالي
2