الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

قرأ الكسائي ويعقوب { إنه عمل غير صالح } على الفعل، ونصب { غير } الكسائي. الباقون { عمل } اسم مرفوع منون { غير } رفع. وقرأ ابن كثير { تسألنّ } بالتشديد، وفتح النون، وافقه نافع في التشديد الا انه كسر النون. الباقون بالتخفيف وكسر النون الا أن أبا عمرو يثبت الياء في الاصل. قال أبو علي النحوي (سألت) فعل يتعدى إلى مفعولين وليس مما يدخل على المبتدأ وخبره، ويمتنع ان يتعدى إلى مفعول واحد. فمن قرأ بفتح اللام، ولم يكسر النون عداه إلى مفعول واحد في اللفظ. والمعنى على التعدي إلى ثان ومن كسر النون دل على انه عداه إلى مفعولين، احدهما: اسم المتكلم. والآخر - الاسم الموصول، وحذف النون المتصلة بياء المتكلم، كما حذفت من قولهم { إني } كراهة اجتماع النونات. ومن اثبت الياء فهو الاصل، ومن حذفها اجتزأ بالكسرة الدالة عليها.

في هذه الآية حكاية عما أجاب الله به نوحاً حين سأله نجاة ابنه بأن قال له { يا نوح انه ليس من أهلك... } وقيل في معناه ثلاثة أقوال:

أحدها - قال ابن عباس وسعيد بن جبير والضحاك واكثر المفسرين: انه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم معك، وانه كان ابنه لصلبه، بدلالة قوله { ونادى نوح ابنه } فأضافه اليه اضافة مطلقة. والثاني - انه اراد بذلك أنه ليس من أهل دينك، كما قال النبي صلى الله عليه وآله " سلمان منا أهل البيت " وإنما اراد على ديننا. وثالثها - قال الحسن ومجاهد: انه كان لغيره، وولد على فراشه، فسأل نوح على الظاهر فأعلمه الله باطن الأمر، فنفاه منه على ما علمه، فيكون على هذا هو نفسه عمل غير صالح، كما يقولون: الشعر زهير. وهذا الوجه ضعيف، لأن في ذلك طعناً على نبي وإضافة ما لا يليق به اليه. والمعتمد الأول. وقال ابن عباس: ما زنت امرأة نبي قط، وكانت الخيانة من امرأة نوح انها كانت تنسبه إلى الجنون والخيانة من امرأة لوط انها كانت تدل على أضيافه. وروي عن علي عليه السلام أنه قرأ ونادى نوح ابنها فنسبه إلى المرأة، وأنه كان يربيه. وروي عن محمّد بن علي بن الحسين عليهم السلام وعروة بن الزبير أنهما قرءا { ونادى نوح ابنه } بفتح الهاء وترك الالف كراهة ما يخالف المصحف، وأرادا أن ينسباه إلى المرأة، وأنه لم يكن ابنه لصلبه. وقال الحسن: كان منافقاً يظهر الايمان ويستر الكفر.

وقوله { إنه عمل غير صالح } فمن قرأ على الفعل، فمعناه انه ليس من اهلك لانه عمل غير صالح، وتقديره انه عمل عملا غير صالح، وحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، وذلك يستعمل كثيراً، وهذه القراءة تقوي قول من قال: إن ابنه لم يكن على دينه، لأن الله تعالى علل كونه ليس من أهله بأنه عمل عملا غير صالح.

السابقالتالي
2