الرئيسية - التفاسير


* تفسير الميزان في تفسير القرآن/ الطبطبائي (ت 1401 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

بيان تعرَّض لسؤالهم عن وقت قيام الساعة ورد له بأن علمه ليس لأحد إلا الله فقد خصَّه بنفسه. قوله تعالى { يسألونك عن الساعة أيان مرساها } الظاهر أن التعبير بيسألونك لإِفادة الاستمرار فقد كان المشركون بعد ما سمعوا حديث القيامة يراجعون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه أن يعيِّن لهم وقتها مصرِّين على ذلك وقد تكرر في القرآن الكريم الإِشارة إلى ذلك. والمرسى مصدر ميمي بمعنى الإِثبات والإِقرار وقوله { أيان مرساها } بيان للسؤال والمعنى يسألك هؤلاء المنكرون للساعة المستهزئون به عن الساعة متى إثباتها وإقرارها؟ أي متى تقوم القيامة؟ قوله تعالى { فيم أنت من ذكراها } استفهام إنكاري و { فيم أنت } مبتدأ وخبر، و { من } لابتداء الغاية، والذكرى كثرة الذكر وهو أبلغ من الذكر على ما ذكره الراغب. والمعنى في أي شيء أنت من كثرة ذكر الساعة أي ماذا يحصل لك من العلم بوقتها من ناحية كثرة ذكرها وبسبب ذلك أي لست تعلمها بكثرة ذكرها. أو الذكرى بمعنى حضور حقيقة معنى الشيء في القلب، والمعنى - على الاستفهام الإِنكاري - لست في شيء من العلم بحقيقتها وما هي عليه حتى تحيط بوقتها وهو أنسب من المعنى السابق. وقيل المعنى ليس ذكراها مما يرتبط ببعثتك إنما بعثت لتنذر من يخشاها. وقيل { فيم } إنكار لسؤالهم، وقوله { أنت من ذكراها } استئناف وتعليل لإِنكار سؤالهم، والمعنى فيم هذا السؤال إنما أنت من ذكرى الساعة لاتصال بعثتك بها وأنت خاتم الأنبياء، وهذا المقدار من العلم يكفيهم، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي " بعثت أنا والساعة كهاتين إن كادت لتسبقني " وقيل الآية من تمام سؤال المشركين خاطبوا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمعنى ما الذي عندك من العلم بها وبوقتها؟ أو ما الذي حصل لك وأنت تكثر ذكرها. وأنت خبير بأن السياق لا يلائم شيئاً من هذه المعاني تلك الملاءمة، على أنها أو أكثرها لا تخلو من تكلف. قوله تعالى { إلى ربك منتهاها } في مقام التعليل لقوله { فيم أنت من ذكراها } والمعنى لست تعلم وقتها لأن انتهاءها إلى ربك فلا يعلم حقيقتها وصفاتها ومنها تعين الوقت إلا ربك فليس لهم أن يسألوا عن وقتها وليس في وسعك أن تجيب عنها. وليس من البعيد - والله أعلم - أن تكون الآية في مقام التعليل بمعنى آخر وهو أن الساعة تقوم بفناء الأشياء وسقوط الأسباب وظهور أن لا ملك إلا لله الواحد القهار فلا ينتسب اليوم إلا إليه تعالى من غير أن يتوسط بالحقيقة بينه تعالى وبين اليوم أي سبب مفروض ومنه الزمان فليس يقبل اليوم توقيتاً بحسب الحقيقة.

السابقالتالي
2 3