الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

قوله تعالى: { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي كفروا { عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ } قيل: قبل موتهم. ٱبن زيد: مصائب الدنيا من الأوجاع والأسقام والبلايا وذهاب الأموال والأولاد. مجاهد: هو الجوع والجَهْد سبع سنين. ٱبن عباس: هو القتل. وعنه: عذاب القبر. وقاله البَرَاء بن عازِب وعليّ رضي الله عنهم. فـ«ـدُونَ» بمعنى غير. وقيل: عذاباً أخفّ من عذاب الآخرة. { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن العذاب نازل بهم وقيل: { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ما يصيرون إليه. قوله تعالى: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }. فيه مسألتان: الأولى: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } قيل: لقضاء ربك فيما حمَّلك من رسالته. وقيل: لبلائه فيما ٱبتلاك به من قومك ثم نسخ بآية السيف. الثانية: قوله تعالى: { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي بمرأى ومنظر منَّا نرى ونسمع ما تقول وتفعل. وقيل: بحيث نراك ونحفظك ونحوطك ونحرسك ونرعاك. والمعنى واحد. ومنه قوله تعالى لموسى عليه السلام:وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [طه: 39] أي بحفظي وحراستي وقد تقدّم. قوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }. فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } ٱختلف في تأويل قوله: { حِينَ تَقُومُ } فقال عون بن مالك وٱبن مسعود وعطاء وسعيد بن جبير وسفيان الثوري وأبو الأحوص: يسبح الله حين يقوم من مجلسه فيقول: سبحان الله وبحمده، أو سبحانك اللهم وبحمدك فإن كان المجلس خيراً ٱزددت ثناءً حسناً، وإن كان غير ذلك كان كفارةً له ودليل هذا التأويل ما خرّجه الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إلٰه إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك " قال: حديث حسن صحيح غريب. وفيه عن ٱبن عمر قال: كنا نعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم: " رب ٱغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التوّاب الغفور " قال حديث حسن صحيح غريب. وقال محمد بن كعب والضحاك والربيع: المعنى حين تقوم إلى الصلاة. قال الضحاك يقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. قال الكِيا الطبري: وهذا فيه بُعد فإن قوله: «حِينَ تَقُومُ» لا يدل على التسبيح بعد التكبير، فإن التكبير هو الذي يكون بعد القيام، والتسبيح يكون وراء ذلك، فدلّ على أن المراد فيه حين تقوم من كل مكان كما قال ٱبن مسعود رضي الله عنه. وقال أبو الجوزاء وحسان بن عطية: المعنى حين تقوم من منامك.

السابقالتالي
2 3