الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ }

قوله: { ٱلْقِسْطَ }: في نصب " القِسْطَ " وجهان أحدهما: أنه نعتٌ للموازين، وعلى هذا: فلِمَ أُفْرِد؟ وعنه جوابان، أحدهما: أنه في الأصلِ مصدرٌ، والمصدر يوحَّد مطلقاً. والثاني: أنَّه على حَذْفِ مضاف. الوجه الثاني: أنه مفعولٌ من أجله أي: لأجلِ القسطِ. إلاَّ أنَّ في هذا نظراً من حيث إن المفعولَ له إذا كان معرَّفاً بأل يَقِلُّ تجرُّده من حرف العلة تقول: جئتُ للإِكرام، ويَقِلُّ: جئت الإِكرامَ، كقول الآخر:
3344ـ لا أَقْعُدُ الجبنَ عن الهَيْجاءِ     ولو توالَتْ زُمَرُ الأعداءِ
وقرىء " القِصْطَ " بالصاد لأجل الطاء، وقد تقدم.

قوله: { لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } في هذه اللام أوجه، أحدها: قال الزمخشري: " مثلُها في قولك: جِئْتُ لخمسٍ خَلَوْنَ من الشهر، ومنه بيتُ النابغة.
3345ـ تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها     لستةِ أعوام وذا العامُ سابعُ
والثاني: أنها بمعنى في. وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك. وهو رأيُ الكوفيين ومنه عندهم:لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 187] وكقول مسكين الدارمي:
3346ـ أولئك قومي قد مضَوْا لسبيلِهم     كما قد مضى مِنْ قبلُ عادٌ وتُبَّعُ
وكقول الآخر:
3347ـ وكلُّ أبٍ وابنٍ وإنْ عُمِّرا معاً     مُقِيْمَيْنِ مفقودٌ لوقتٍ وفاقدُ
والثالث: أنَّها على بابِها مِنَ التعليل، ولكنْ على حَذْفِ مضاف.

أي: لحسابِ يومِ القيامة.

قوله: { شَيْئاً } يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، أي: شيئاً من الظلم.

قوله: { مِثْقَال } قرأ نافعٌ هنا وفي لقمان برفع " مِثْقال " على أنَّ " كان " تامة، أي: وإنْ وُجِد مثقال. والباقون بالنصب على أنَّها ناقصةٌ، واسمها مضمر أي: وإنْ [كان] العملُ. و { مِّنْ خَرْدَلٍ } صفةٌ لحَبَّة.

وقرأ العامَّة " أَتَيْنَا " من الإِتيان بقَصْرِ الهمزة أي: جِئْنا بها، وكذا قرأ ابن مسعود وهو تفسيرُ معنى لا تلاوة. وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ وسعيد وابن أبي إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمدٍ " آتَيْنا " بمدِّ الهمزة وفيها أوجهٌ، أحدُها: ـ وهو الصحيحُ ـ أنه فاعَلْنا من المؤاتاة وهي المجازاةُ والمكافَأَة. والمعنىٰ: جازَيْنا بها، ولذلك تَعَدَّىٰ بالباء. الثاني: أنها مُفاعَلَةٌ من الإِتيان بمعنى المجازاة والكافأةِ لأنهم أَتَوْه بالأعمال وأتاهم بالجزاءِ، قاله الزمخشري. الثالث: أنه أفْعَل من الإِيتاء. كذا توهَّمَ بعضُهم وهو غلطٌ. قال ابن عطية: " ولو كان آتَيْنا أعطينا لَما تعدَّى بحرفِ جرّ. ويُوْهِنُ هذه القراءةَ أنَّ بدلَ الواوِ المفتوحةِ همزةً ليس بمعروفٍ، وإنما يُعْرَفُ ذلك في المضمومةِ والمكسورة " يعني أنَّه كان مِنْ حَقِّ هذا القارىءِ أَنْ يَقْرَأَ " واتَيْنا " مثل واظَبْنا؛ لأنها من المُواتاةِ على الصحيح، فأبدل هذا القارِىءُ الواوَ المفتوحةًَ همزةَ. وهو قليلٌ ومنه أَخَذَ " واتاه ".

وقال أبو البقاء: " ويُقرأ بالمدِّ بمعنى جازَيْنا بها، فهو يَقْرُبُ مِنْ معنى أَعْطَيْنا؛ لأنَّ الجزاءَ إعطاءٌ، وليس منقولاً مِنْ أَتَيْنا، لأن ذلك لم يُنْقَلْ عنهم.

وقرأ حميد " أَثَبْنا " من الثواب. والضمير في " بها " عائد على المِثْقال، وأنَّث ضميرَه لإِضافتِه لمؤنث فهو كقوله:
3348ـ.............................   كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ
في اكتسابِه بالإِضافةِ التأنيثَ.