الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله تعالى: { وَلْيَحْكُمْ } قرأ الجمهور بسكون " اللام " وجزم الفعل بعدها على أنها لام الأمر سُكِّنَتْ تشبيهاً بـ " كَتْف " وإن كان أصلها الكسر، وقد قرأ بعضهم بهذا الأصل.

وقرأ حمزة والأعمش، بكسرها ونصب الفعل بعدها، جعلها لام " كي " ، فنصب الفعل بعدها بإضمار " أن " على ما تقرر غير مَرّة، فعلى قراءة الجمهور والشاذ تكون جملة مستأنفة.

وعلى قراءة حمزة يجوز أن تتعلق " اللام " بـ " آتينا " ، أو بـ " قفَّيْنَا " إن جعلنا " هدى وموعظة " مفعولاً لهما، أي: قَفَّينا للهدى والموعظة وللحكم، أو آتيناه الهدى والموعظة والحكم، وإن جَعَلْنَاهما حالين معطوفين على " مصدقاً " تعلَّق " وليحكم " في قراءته بمحذوف دلَّ عليه اللفظ، كأنه قيل: " وللحكم آتيناه ذلك ".

قال الزمخشري: فإن قلت: فإن نظمت " هدى وموعظة " في سِلْكِ " مصدقاً " فما تصنع بقوله: " وليحكم "؟

قال شهاب الدين: أصنعُ به ما صنعت بـ " هدى وموعظة " حيث جعلتهما مفعولاً لهما فأقدِّر: " وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله آتيناه إياه ".

وقال ابن عطية قريباً من الوجه الأول، أعني كون " وليحكم " مفعولاً له عطفاً على " هدى " والعامل " آتيناه " الملفوظ به، فإنه قال: وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل.

قال أبو حيان: فعطف " وليحكم " على توهّم علةٍ، ولذلك قال: " ليتضمن " وذكر أبو حيان قول الزمخشري السَّابق، وجعله أقرب إلى الصواب من قول ابن عطية.

قال: لأنَّ الهدى الأول، والنور والتصديق لم يؤت بها على أنها علّة، إنما جيء بقوله: { فيه هدى ونور } على معنى كائناً فيه ذلك ومصدقاً، وهذا معنى الحَالِ، والحالُ لا تكون علةً، فقوله: " ليتضمَّن كَيْتَ وكَيْتَ وليحكم " بعيد.

واختلف المفسرون في هذه الخواتم الثلاثة أعني: الكافرون الظالمون الفاسقون.

فقال القفال: صفات لموصوف واحد، وليس في إفراد كل واحد من هذه الثلاثة باللفظ ما يوجب القدح في المعنى، بل كما يقال: مَنْ أطاعَ اللَّهَ فَهُوَ البَرُّ، ومن أطاعَ الله فهو المؤمنُ، ومن أطاعَ الله فهو المُتَّقِي؛ لأنَّ كُلَّ ذلك صفاتٌ مُخْتَلِفَةٌ حاصِلةٌ لموْصُوفٍ واحدٍ وقال آخرون: الأوَّلُ في الْجَاحِدِ، والثاني والثالث: في المُقِرِّ التاركِ، وقال الأصم: الأوَّلُ والثاني في اليهُودِ، والثالثُ في النَّصارى.

وقال الشَّعْبِيُّ: الأولى في المسلمين والثانيةُ في اليهودِ، والثالثةُ: في النصارى، لأنَّ قبلَ الأولى " فإنْ جَاءُوك فاحْكُم " ، و " كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ " ، و " يَحْكُمُ بها النَّبِيُّونَ " وَقَبْلَ الثانيةِ " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِم " وهم اليهودُ، وقَبل الثَّالِثَةِ " وَلْيَحكُمْ أهْلُ الإنجِيلِ " وهمُ النَّصارى، فكأنَّه خَصَّ كُلَّ واحدةٍ بما يليه وهذا أحْسَنُهَا.

السابقالتالي
2