الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }

{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } أي: افترى علينا. وسمي الكذب تقولاً؛ لأنه قول متكلف، كما تشعر به صيغة التفعّل. و { ٱلأَقَاوِيلِ } إما جمع (قول) على غير القياس، أو جمع الجمع كالأناعيم، جمع أقوال وأنعام. قيل: تسمية الأقوال المفتراة (أقاويل) تحقيراً لها؛ كأنها جمع أفعولة من القول، كالأضاحيك.

{ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } قال ابن جرير: أي: لأخذنا منه بالقوة منا والقدرة، ثم لقطعنا منه نياط القلب. وإنما يعني بذلك: أنه كان يعاجله بالعقوبة، ولا يؤخره بها. وقد قيل: إن معنى قوله: { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } لأخذنا منه باليد اليمنى من يديه. قال: وإنما ذلك كقول ذي السلطان إذا أراد الاستخفاف ببعض من بين يديه لبعض أعوانه: خذ بيده، فأقمه، وافعل به كذا وكذا: قالوا: وكذلك معنى قوله: { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } أي: لأهناه، كالذي يفعل بالذي وصفنا حاله. انتهى.

وقال الزمخشري: المعنى: لو ادعى علينا شيئاً لم نقله لقتلناه صبراً، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم، معاجلة بالسخط والانتقام. فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول.

وهو أن يؤخذ بيده، وتضرب رقبته. وخص اليمين عن اليسار؛ لأن القاتل إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده، وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المبصور؛ لنظره إلى السيف أخذ بيمينه. فمعنى: { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ }: لأخذنا بيمينه. كما أن قوله: { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } لقطعنا وتينه، وهذا بيّن. انتهى.

وما قرره الزمخشري أبلغ في المراد، وهو بيان المعاقبة بأشد العقوبة، إذ على الأول يفوت التصوير والتفصيل والإجمال؛ لأن قوله: { بِٱلْيَمِينِ } بعد { لأَخَذْنَا مِنْهُ } بيان بعد الإبهام، ويصير قوله: { مِنْهُ } زائداً من غير فائدة ويركب المجاز من غير فائدة أيضاً - كما في (العناية).

{ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } أي: ليس أحد منكم يحجزنا عنه، ويحول بيننا وبين عقوبته، لو تَقَوَّل علينا.