الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

{ قَالَ رَبّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ } ولا يخفي سقوطه على ما علمت وهو خلاف الظاهر جداً، وقد جاء عن الفضيل بن عياض أنه قال: بلغني أن نوحاً عليه السلام بكى عن قول الله تعالى له ما قال أربعين يوماً، وأخرج أحمد في «الزهد» عن وهيب بن الورد الحضرمي قال: لما عاتب الله تعالى نوحاً في ابنه وأنزل عليهإِنِّيۤ أَعِظُكَ } [هود: 46] بكى ثلثمائة عام حتى صار تحت عينيه مثل الجدول من البكاء. وزعم الواحدي أن السؤال قبل الغرق ومع العلم بكفره، وذلك أن نوحاً عليه السلام لم يعلم أن سؤاله ربه نجاة ولده محظور عليه مع إصراره على الكفر حتى أعلمه الله تعالى ذلك، واعترض بأنه إذا كان عالماً بكفره مع التصريح بأن في أهله من يستحق العذاب كان طلب النجاة منكراً من المناكير فتدبر، والظاهر على ما قررنا أن قوله: { رَبّ } الخ توبة مما وقع منه عليه السلام وما هنا أيضاً عبارة إما عن المسؤول أو عن السؤال أي أعوذ بك ((أن أطلب منك من بعد مطلوباً لا أعلم أن حصوله مقتضى الحكمة أو طلباً لا أعلم أنه صواب سواء كان معلوم الفساد أو مشتبه الحال، أولا أعلم أنه صواب أو غير صواب، ولم يقل أعوذ بك منك أو من ذلك مبالغة في التوبة / وإظهاراً للرغبة والنشاط فيها وتبركا بذكر ما لقنه الله تعالى وهو أبلغ من أن يقول: أتوب إليك أن أسألك لما فيه من الدلالة على كون ذلك أمراً هائلاً محذوراً لا محيص منه إلا بالعوذ بالله تعالى وأن قدرته عليه السلام قاصرة عن النجاة من المكاره إلا بذلك)) كما في «إرشاد العقل السليم»، واحتمال أن يكون فيه رد وإنكار نظير ما في البقرة [67] من قول موسى عليه السلام { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } مما لا يكاد يمر بفكر أحد من الجاهلين.

هذا وفي مصحف ابن مسعود (إنه عمل غير صالح أن تسألني)، ورجح به كون ضمير { إِنَّهُ } في القراءة المتواترة للنداء المتضمن للسؤال، وقرأ ابن كثير { فلا تسألن } بفتح اللام وتشديد النون مفتوحة وهي قراءة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وكذا قرأ نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ثم حذفت الياء اكتفاءاً بالكسرة، وقرأ أبو جعفر وشيبة وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما كذلك إلا أنهم أثبتوا الياء بعد النون وأمره ظاهر، وقرأ الحسن. وابن أبـي مليكة { تسألني } من غير همز من سال يسال فهما يساولان، وهي لغة سائرة، وقرأ باقي السبعة بالهمز وإسكان اللام وكسر النون وتخفيفها.

السابقالتالي
2