الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ }

هذه الجملة عطف على جملةفلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } الحاقة 38ــ 39 فهي مشمولة لما أفادته الفاء من التفريع على ما اقتضاه تكذيبهم بالبعث من تكذيبهم القرآن ومَن جاء به وقال إنه وحي من الله تعالى. فمفاد هذه الجملة استدلال ثان على أن القرآن منزل من عند الله تعالى على طريقة المذهب الكلامي، بعد الاستدلال الأول المستند إلى القَسم والمؤكدات على طريقة الاستدلال الخَطابي. وهو استدلال بما هو مقرر في الأذهان من أن الله واسع القدرة، وأنه عليم فلا يقرر أحداً على أن يقول عنه كلاماً لم يقله، أي لو لم يكن القرآن منزلاً من عندنا ومحمد ادعى أنه منزَّل مِنا، لما أقررناه على ذلك، ولعجّلنا بإهلاكه. فعدَم هلاكه صلى الله عليه وسلم دال على أنه لم يتقوله على الله، فإن { لو } تقتضي انتفاء مضمون شرطها لانتفاءِ مضمون جوابها. فحصل من هذا الكلام غرضان مهمان أحدهما يعود إلى ما تقدم أي زيادة إبطال لمزاعم المشركين أن القرآن شعر أو كهانة إبطالاً جامعاً لإِبطال النوعين، أي ويوضح مخالفة القرآن لهذين النوعين من الكلام أن الآتي به ينسبه إلى وحي الله وما عَلِمْتُم شاعراً ولا كاهناً يزعم أن كلامَه من عند الله. وثانيهما إبطال زعم لهم لم يسبق التصريح بإبطاله وهو قول فريق منهمافتراه } يونس 38، أي نسبه إلى الله افتراء وتقوّله على الله قال تعالىأم يقولون تقوَّله بَلْ لا يؤمنون } الطور 33 فبين لهم أنه لو افترَى على الله لما أقرّه على ذلك. ثم إن هذا الغرض يستتبع غرضاً آخر وهو تأييسهم من أن يأتي بقرآن لا يخالف دينَهم ولا يسفه أحلامهم وأصنامهم، قال تعالىقال الذين لا يرجون لقاءَنا إئتِ بقرآنٍ غيرِ هذا أو بَدِّلْه } يونس 15. وهذه الجملة معطوفة عطف اعتراض فلك أن تجعل الواو اعتراضية فإنه لا معنى للواو الاعتراضية إلاّ ذلك. والتقول نسبة قول لمن لم يقله، وهو تفعُّل من القول صيغت هذه الصيغةَ الدالة على التكلف لأن الذي ينسب إلى غيره قولاً لم يقله يتكلف ويختلق ذلك الكلام، ولكونه في معنى كذب عُدي بـ على. والمعنى لو كذب علينا فأخبر أنا قلنا قولاً لم نقله إلخ. و { بعضَ } اسم يدل على مقدار من نوع ما يضاف هو إليه، وهو هنا منصوب على المفعول به لـ { تقوَّل }. و { الأقاويل } جمع أقوال الذي هو جمع قول، أي بعضاً من جنس الأقوال التي هي كثيرة فلكثرتها جيء لها بجمع الجمع الدال على الكثرة، أي ولو نسب إلينا قليلاً من أقوالٍ كثيرة صادقةٍ يعني لو نسب إلينا شيئاً قليلاً من القرآن لم ننزله لأخذنا منه باليمين، إلى آخره.

السابقالتالي
2 3