الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

قوله: { يَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ }: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولُه محذوفاً؛ لأنَّ القَذْفَ في الأصلِ الرَّمْيُ. وعَبَّر به هنا عن الإِلقاءِ أي: يُلْقي الوحيَ إلى أنبيائِه بالحقِّ. أي: بسبب الحق، أو مُلْتَبِساً بالحقِّ. ويجوزُ أَنْ يكونَ التقديرُ: يَقْذِفُ الباطِلَ بالحقِّ أي: يَدْفَعُه ويَطْرَحُه به، كقوله:بَلْ نَقْذِفُ بِٱلْحَقِّ عَلَى ٱلْبَاطِلِ } [الأنبياء: 18]. ويجوزُ أَنْ تكونَ الباءُ زائدةً، أي: يُلقي الحقَّ كقوله:وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ } [البقرة: 195]، أو يُضَمَّنُ " يقْذِفُ " معنى يَقْضي ويَحْكُمُ.

قوله: " عَلاَّمُ الغيوبِ " العامَّةُ على رفعه. وفيه أوجهٌ، أظهرُها: أنه خبرٌ ثانٍ لـ " إنَّ " ، أو خبرُ مبتدأ مُضْمرٍ، أو بدلٌ من الضمير في " يَقْذِفُ " ، أو نعتٌ له على رأي الكسائي؛ لأنه يُجيز نعتَ الضميرِ الغائبِ، وقد صَرَّح به هنا. وقال الزمخشريُّ: " رَفْعٌ على محلِّ " إنَّ " واسمِها، أو على المستكنِّ في " يَقْذِفُ ". قلتُ: يعني بقولِه: " محمولٌ على مَحَلِّ إنَّ واسمِها " يعني به النعتَ، إلاَّ أنَّ ذلك ليس مذهبَ البصريين، لم يَعْتبروا المحلَّ إلاَّ في العطفِ بالحرف بشروطٍ عند بعضِهم. ويريدُ بالحَمْل على الضمير في " يَقْذِفُ " أنَّه بدلٌ منه، لاَ أنه نعتٌ له؛ لأنَّ ذلك انفرد به الكسائيُّ. وزيد بن علي وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق بالنصب نعتاً لاسم " إنَّ " أو بدلاً منه على قلةِ الإِبدالِ بالمشتق أو منصوبٌ على المدح.

وقرئ " الغيوبِ " بالحركاتِ الثلاثِ في الغين. فالكسرُ والضمُّ تقدَّما في " بيوت " وبابِه، وأمَّا الفتحُ فصيغةُ مبالغةٍ كالشَّكور والصَّبور، وهو الشيءُ الغائبُ الخفيُّ جداً.