الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }

هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه تعالى أنزل إِليه الكتاب يعني القرآن { بالحق مصدقاً } نصب على الحال يصدق ما بين يديه من الكتاب يعني التوراة والانجيل وما فيهما من توحيد الله وعدله والدلالة على نبوته (ع) والحكم بالرجم والقود على ما تقدم ذكره. وفيه دلالة على أن ما حكا الله أنه كتبه عليهم في التوراة حكم بأنه يلزمنا العمل به، لأنه جعل القرآن مصدقاً لذلك ومهيمناً عليه.

وقيل في معنى { المهيمن } خمسة أقوال: أحدهما - قال ابن عباس والحسن وقتادة، ومجاهد: معناه أمين عليه وشاهد. وقال قوم: مؤتمن. وقال آخرون: شاهد. وقال آخرون: حفيظ. وقال بعضهم: رقيب. والأصل فيه (مؤيمن) فقبلت الهمزة هاء، كما قيل في أرقت الماء: هرقت. هذا قول ابي العباس والزجاج وقد صُرّف، فقيل (هيمن) الرجل إِذا ارتقب، وحفظ وشهد، يهيمن هيمنة فهو مهيمن. وقال بعضهم مهيمناً - بفتح الميم الثانية - وهو شاذ. وفي معنى المهيمن ها هنا قولان:

قال ابن عباس، والحسن، وأكثر المفسرين: إِنه صفة للكتاب. الثاني - قال مجاهد هو صفة النبي (صلى الله عليه وسلم) والأول أقوى، لأجل حرف العطف، لأنه قال: { فأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب } ثم قال: { ومهيمناً } ولا يجوز أن يعطف على حال لغير الأول. لا تقول ضربت هند زيداً قاعداً وقائمة، ولو قلت قائمة بلا واو لكان جائزاً. ويجوز أن يكون عطفاً على مصدقاً ويكون مصدقاً حالاً للنبي (صلى الله عليه وسلم) والأول أظهر.

وقوله { فاحكم بينهم بما أنزل الله } قال ابن عباس، والحسن، ومسروق: يدل على أن أهل الكتاب إِذا ترافعوا الى الحكام يجب أن يحكموا بينهم بحكم القرآن وشريعة الاسلام، لأنه أمر من الله تعالى بالحكم بينهم والأمر يقتضي الايجاب. وقال أبو علي ذلك نسخ بالتخيير في الحكم بين أهل الكتاب والاعراض عنهم والترك. وقوله: { ولا تتبع أهواءهم } نهي له (صلى الله عليه وسلم) عن اتباع أهوائهم في الحكم، ولا يدل ذلك على أنه كان اتبع أهواءهم، لأنه مثل قولهلئن أشركت ليحبطن عملك } ولا يدل ذلك على أن الشرك كان وقع منه. وقوله { عما جاءك من الحق } أي لا تتبع أهواءهم عادلاً عما جاءك من الحق.

وقوله { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً } فالشرعة والشريعة واحد وهي الطريقة الظاهرة. والشريعة هي الطريق الذي يوصل منه الى الماء الذي فيه الحياة فقيل الشريعة في الدين أي الطريق الذي يوصل منه الى الحياة في النعيم، وهي الامور التي تعبد الله - عز وجل - بها من جهة السمع قال الشاعر:
اتنسونني يوم الشريعة والقنا   بصفين في لباتكم قد تكسرا

السابقالتالي
2