الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ نَجَّيْنَٰكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلاۤءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }

وقوله تعالَىٰ: { وَإِذْ نَجَّيْنَـٰكُم مِّنْ ءالِ فِرْعَوْنَ }: أي: خلَّصناكم، وَآل: أصْلُهُ أَهْل؛ قلبت الهاء أَلِفاً؛ ولذلك رَدَّها التصغيرُ إلى الأصل، فقيل: أُهَيْل، وآلُ الرجل قرابته، وشيعته، وأتباعه، وفرعونُ: اسمٌ لكلِّ من ملك من العَمَالِقَةِ بمصْرَ، وفرعونُ مُوسَىٰ، قيل: اسمه مُصْعَبُ بْنُ الرَّيَّان، وقال ابْن إِسحاق: اسمه الوليدُ بْنُ مُصْعب، وروي أنه كان من أهل إِصْطَخْر وَرَدَ مِصْرَ، فاتفق له فيها المُلْك، وكان أصل كون بني إِسرائيل بمصر نزولَ إسرائيل بها زمَنَ ابنه يُوسُفَ عليهما السلام.

و { يَسُومُونَكُمْ }: معناه: يأخذونكم به، ويُلْزمُونَكم إياه، والجملة في موضعِ نصبٍ على الحال، أي: سائمين لكم سُوءَ العذاب، وسوءُ العذاب أشدُّه وأصعبه، وكان فرعَوْنُ علَىٰ ما روي قد رأَىٰ في منامه ناراً خرجَتْ من بيت المقْدِس، فأحرقت بيوتَ مِصْرَ، فأولت له رؤياه؛ أنَّ مولوداً من بني إسرائيل ينشأ، فيخرب مُلْكَ فرعون على يَدَيْهِ، وقال ابن إسْحَاق، وابن عبَّاس، وغيرهما: إن الكهنة والمنجِّمين قالُوا لفرعون: قد أظلك زمانُ مولودٍ من بني إسرائيل يخرب مُلْكَك.

و { يُذَبِّحُونَ } بدلٌ من: «يَسُومُونَ»، { وَفِي ذٰلِكُم }: إشارةٌ إلى جملة الأمر، و { بَلاءٌ } معناه: امتحان واختبار، ويكون البلاء في الخير والشر.

وحكى الطبريُّ وغيره في كيفية نجاتهم أن موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ أوحي إلَيْه أن يسري من مصر ببني إِسرائيل، فأمرهم موسى أن يستعيروا الحُلِيَّ والمتاعَ من القِبْطِ، وأحل اللَّه ذلك لبني إسرائيل، ويُرْوىٰ أنهم فعلوا ذلك دون رَأْيِ موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ وهو الأشبه به، فسرى بهم موسَىٰ من أول الليْلِ، فأعلم بهم فرعون، فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الدِّيَكَةُ، فلم يَصِحْ تلك الليلة بمصر دِيكٌ؛ حتى أصبح، وأمات اللَّه تلك الليلةَ كثيراً من أبناء القِبطِ، فاشتغلوا بالدَّفْنِ، وخرجوا في الأتباع مشرِّقين، وذهب موسى عليه السلام إلى ناحية البحر؛ حتى بلغه، وكانت عدة بني إِسرائيل نيِّفاً على ستِّمائة ألف، وكانت عِدَّة فرعون أَلْفَ ألْفٍ ومِائَتَي ألْفٍ، وحكي غير هذا مما اختصرته لقلَّة ثبوته، فلما لحق فرعَوْنُ موسَىٰ، ظن بنو إِسرائيل أنهم غير ناجين، فقال يُوشَعُ بْنُ نُونٍ لموسى: أين أُمِرْتَ؟ فقال: هكذا، وأشار إلى البحر، فركض يُوشَعُ فرسه؛ حتى بلغ الغَمْرَ، ثم رجع، فقال لموسَىٰ: أين أُمِرْتَ؟ فواللَّه: ما كَذَبْتَ، ولا كُذِبْتَ، فأشار إِلى البحر، وأوحى اللَّه تعالى إليه؛ أنِ ٱضْرِبْ بعصاك البَحْرَ، وأوحى اللَّه إلى البحر؛ أن انفرِقْ لموسى إذا ضربك، فبات البَحْرُ تلك الليلة يضطرب، فحينَ أصبَحَ، ضرَبَ موسى البحر، وكناه أبا خالد، فانفلَقَ، وكان ذلك في يَوْمِ عَاشُورَاءَ.