الرئيسية - التفاسير


* تفسير زاد المسير في علم التفسير/ ابن الجوزي (ت 597 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ } * { مَآ أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } * { سَيَصْلَىٰ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ ٱلْحَطَبِ } * { فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ }

وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " لما نزل { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء: 214] صَعِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال: «يا صباحاه». فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك؟ فقال: «أرأيتُكم إن أخبرتُكم أن العدوَّ مصبِّحكم، أو ممسِّيكم، أما كنتم تصدقوني؟» قالوا: بلى. قال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد». قال أبو لهب: تَباً لك، ألهذا دَعوتَنَا؟ فأنزل الله تعالى: { تبت يدا أبي لهب } " ومعنى تبت: خسرت يدا أبي لهب { وتب } أي: وخسر هو. قال الفراء: الأول: دعاء، والثاني: خبر، كما يقول الرجل: أهلكك الله وقد أهلكك، وجعلك الله صالحاً وقد جعلك. وقيل: ذكر يديه، والمراد نفسه، ولكن هذا عادة العرب يعبِّرون ببعض الشيء عن جميعه، كقوله تعالى:ذلك بما قدَّمت يداك } [الحج: 10]. وقال مجاهد: «تبت يدا أبي لهب وتب» ولد أبي لهب. فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: إن اسمه عبد العزى. وقرأ ابن كثير وحدُه «أبي لَهْبٍ» بإسكان الهاء. قال أبو علي: يشبه أن يكون لغة كالشَّمْعِ، والشَّمْعِ والنَّهْرِ، والنَّهَرِ.

فإن قيل: كيف كناه الله عز وجل، وفي الكنية نوع تعظيم؟

فعنه جوابان.

أحدهما: أنه إن صح أن اسمه عبد العُزَّى، فكيف يذكره الله بهذا الاسم وفيه معنى الشرك؟!

والثاني: أن كثيراً من الناس اشتهروا بكناهم، ولم يعرف لهم أسماء. قال ابن قتيبة: خبِّرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء، وأبا سفيان ابن العلاء أسماؤهما كناهما، فإن كان اسم أبي لهب كنيته، فإنما ذكره بما لايعرف إلا به.

قوله تعالى: { ما أغنى عنه ماله } قال ابن مسعود: لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله عز وجل قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً، فإني أفتدي بمالي، وولدي، فقال الله عز وجل: { ما أغنى عنه ماله وما كسب } قال الزجاج: و «ما» في موضع رفع. المعنى: ما أغنى عنه ماله وكسبه أي: ولده. وكذلك قال المفسرون: المراد بكسبه هاهنا: ولده. و «أغنى» بمعنى يغني { سيصلى ناراً ذات لهب } أي: تلتهب عليه من غير دخان { وامرأته } أي: ستصلى امرأته، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان. وفي هذا دلالة على صحة نُبوَّة نبينا عليه الصلاة والسلام، لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر، فكان كذلك. إذ لو قالا بألسنتهما: قد أسلمنا، لوجد الكفار متعلقاً في الرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطناً ولا ظاهراً، فأخبره بذلك.

السابقالتالي
2